أربعة أعوام كاملة انتظرها بايرن ميونيخ. أربعة أعوام والألمان لا يفكرون في شيء سوى الثأر لذاك الخروج المخزي أمام الكاتالونيين في الدور ربع النهائي لمسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، حيث عَبَر برشلونة إلى دور الأربعة بفوزٍ كبير 5-1 بمجموع المباراتين، في طريقه إلى لقبٍ أوروبي آخر.
أربعة أعوام ولاعبو الفريق المهزوم الذين لا يزالون يرتدون الألوان البافارية لا يتوقفون عن الحديث بشوقٍ عن مواجهة «البرسا»؛ إذ لم يعنهم الكثير إقصاء القطب الآخر في الكرة الإسبانية ريال مدريد في الموسم الماضي. «مايسترو» خط الوسط باستيان شفاينشتايغر قالها بالفم الملآن في وقتٍ سابق من الموسم الحالي: «إذا كنت تريد إثبات أنك الأفضل، فعليك أن تفوز على الأفضل. هو برشلونة الذي ننتظره لنثبت للعالم أننا الفريق الأقوى على وجه الأرض».
ومما لا شك فيه، أن فرصة تحقيق «شفايني» ورفاقه لطموحاتهم لم تكن يوماً متاحة بالقدر الذي تبدو عليه اليوم. بايرن ميونيخ في أفضل حالاته، وبرشلونة لم يعد ذاك «البعبع» الذي ترتجف أمامه الفرق الأوروبية خوفاً عند مواجهته لها.

وحوش الهجوم

لماذا يتوقع الكلّ طبقاً دسماً هذه الأمسية؟ ولماذا سيجلس مدربون كثيرون حول العالم متأبطين دفاترهم لتسجيل الملاحظات؟
ببساطة، يمكن الإجابة عن السؤال الأول بأن الموقعة هي بين فريقين هجوميين لا يعرفان معنى التقوقع في الدفاع على غرار الفرق الإيطالية أو الإنكليزية (مثل ما فعل تشلسي أمام برشلونة في الموسم الماضي)، بل إن كلّ ما يفكران فيه هو الهجوم ثم الهجوم ثم الهجوم.
وبالطبع، هذه المسألة تأتي نتيجة ثقافة موجودة عند الطرفين ومدربيهما يوب هاينكس من الناحية الألمانية وتيتو فيلانوفا من الناحية الإسبانية. والجميل في طريقة تفكير هذين الرجلين أنهما لا يبدّلان من استراتيجيتيهما بحسب مقتضيات المرحلة، بل إن إيمانهما كبير بأن الخطة التي اعتمداها طوال الموسم هي التي أوصلتهما إلى هذه المرحلة، وهي التي ستكون الكفيلة بنقلهما إلى نهائي «ويمبلي». لذا لا يخفى أن هاينكس سيطلق العنان للخيال الهجومي للاعبيه الذين شرعوا في سحق الفرق أخيراً، بحيث إنه سيعتمد على خطة 4-2-3-1. أما فيلانوفا، فإنه رغم مواجهته فريقاً جشعاً في عملية تسجيل الأهداف، فإنه سيجدد الثقة بتلك الخطة الكلاسيكية التي حملت «البرسا» إلى الأمجاد دائماً وقوامها 4-1-2-3.

عباقرة الوسط وجهاً لوجه

وإذا كان هناك شيء يفترض التوقف عنده قبل الموقعة المرتقبة، فهو الحال التي ستكون عليها الأمور في خط الوسط.
بكل بساطة، يضم الفريقان أفضل اللاعبين التكتيكيين في دائرة منتصف الملعب، وهم بطبيعة الحال كانوا السبب في حمل الفريقين إلى هذه المرحلة. وبالتأكيد، إن «عباقرة» الوسط ستكون لهم الكلمة العليا في ترجيح كفّة فريقٍ على آخر.
انطلاقاً من هذه المعادلة، يمكن إعطاء مثل واضح على هذه المسألة، هو مواجهة بايرن ويوفنتوس في الدور السابق. لقد كان واضحاً أن بايرن عطّل عمل الوسط كلّه عند الإيطاليين؛ إذ إن فريق «السيدة العجوز» يشبه برشلونة في اعتماده على ثلاثي وسطٍ يكون محور اللعبة الهجومية ويشكّل خط الدفاع الأول في مواجهة الخصوم. إلا أن شفاينشتايغر وطوني كروس والإسباني خافي مارتينيز شلّوا تماماً حركة «مثلث الرعب» الإيطالي، أندريا بيرلو وكلاوديو ماركيزيو والتشيلياني أرتورو فيدال. ويمكن الجزم بأن تعطيل الأول شكّل الضربة القاضية للطليان.
ومن هذه النقطة يمكن التوضيح أن الألمان نجحوا في إسقاط بيرلو ورفاقه انطلاقاً من تعلّمهم الدرس الذي طرح منتخبهم أرضاً أمام نظيره الإيطالي في كأس أوروبا 2012، حيث يبدو أن البايرن لا يمكن أن يُلدغ من الجحر مرتين، وهو الأمر الذي يبقيه رجال هاينكس في أذهانهم عند مواجهتهم الإسبان؛ إذ إنهم سبق أن فشلوا أمام شافي هرنانديز وأندريس إينييستا وعصابتهما مرتين على الساحة الدولية، أولاً في نهائي كأس أوروبا 2008، ثم في نصف نهائي كأس العالم 2010.
وطبعاً في البطولتين المذكورتين لم يكن الألمان قد وصلوا إلى النضج الذي بلغه نظرائهم، والذي جعل منهم ديكتاتوريين في وسط الميدان، بحيث إنهم يستحوذون على الكرة قدر ما يشاؤون، ويتحكمون بمجريات اللعب وكأنهم يجلسون في المنزل على أريكتهم أمام إحدى ألعاب الفيديو.
لكن الواقع أن لاعبي البايرن انضموا إلى نادي الديكتاتوريين من خلال هيمنتهم في الوسط. أما لاعبو «البرسا» فلم يعودوا وحدهم في هذا النادي، ولم يعودوا من كوكبٍ آخر. وللمشككين في هذه المقولة يمكن العودة إلى ما واجهه الكاتالونيون من صعوبات أمام تكتيك ميلان الإيطالي وباريس سان جيرمان الفرنسي في الدورين السابقين.