لم تكن الدقيقة الـ 15 في المباراة بين إنتر ميلانو وباليرمو في المرحلة الـ 34 من الدوري الإيطالي لكرة القدم عادية على جماهير الـ«نيراتزوري». كانت دقيقة، عصيبة، مرعبة وصادمة. في خلال هذه الدقيقة، مر، لا شك، شريط سريع لتاريخ لاعب ليس عادياً على الإطلاق في مدينة ميلانو وبالنسبة إلى جماهير فريقها الأزرق إنتر. لاعب ارتدى قميص إنتر ولا يزال منذ 18 عاماً. لاعب مثّل إنتر في 845 مباراة وقد أصبح في 20 أيلول عام 2011 بـ 757 مباراة الأكثر تمثيلاً لإنتر في تاريخه. لاعب لم يحصل على أي بطاقة حمراء في 500 مباراة في الـ«سيري أ» مع إنتر. لاعب أسهم، على نحو فعال، في قيادة إنتر الى 5 ألقاب في الدوري الإيطالي و4 ألقاب في الكأس ولقب في دوري أبطال أوروبا وفي كأس الاتحاد الأوروبي (يوروبا ليغ حالياً) وفي مونديال الأندية. لاعب عايش إنتر في لحظاته المحبطة وتلك المجيدة بين فقدان الـ«سكوديتو» الدرامي لمصلحة يوفنتوس في الجولة الأخيرة عام 2002 في ملعب «الأولمبيكو» بالخسارة أمام لاتسيو، وصولاً الى التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا عام 2010 في «سانتياغو برنابيو» على حساب بايرن ميونيخ الألماني. لاعب مر عليه في إنتر عمالقة سابقون كالبرازيلي رونالدو والأوروغوياني ألفارو ريكوبا والبرتغالي لويس فيغو والإيطاليون روبرتو باجيو وكريستيان فييري وفابيو كانافارو. لاعب لعب في إنتر تحت قيادة 18 مدرباً، من الإنكليزي روي هودجسون، وصولاً الى أندريا ستراماتشوني الآن، وما بينهما أسماء كمارتشيللو ليبي وماركو تاريدللي وروبرتو مانشيني والبرتغالي جوزيه مورينيو. لاعب مقاتل، متفان، لا يكلّ ولا يملّ من الجري ومن العطاء. هو «ال كابيتانو» كما تحب أن تطلق عليه جماهير إنتر. هو النجم والأسطورة والرمز والقدوة. كل هذا الشريط مر سريعاً على أذهان جماهير إنتر في تلك الدقيقة أمام باليرمو لحظة أن سقط هذا اللاعب على أرض الملعب مصاباً. بمجرد أن وضع الأرجنتيني خافيير زانيتي يديه على رأسه متألماً حتى خفقت القلوب في ميلانو. أحس جمهور إنتر بأن الإصابة غير عادية، فمن النادر أن رأوا زانيتي متألماً جراء إصابة هو المعروف عنه رباطة جأشه وقوته البدنية الفائقة. اعتقد جمهور إنتر أن هذه اللحظة قد تكون الأخيرة التي يرون فيها «ال كابيتانو» في الميدان.
هكذا، عاشت مدينة ميلانو ساعات عصيبة في مطلع الأسبوع الحالي، بانتظار الأنباء الواردة حول زانيتي. وفي الوقت الذي كان فيه العالم بأسره مشغولاً بمباراتي إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، كانت ميلانو تعيش قلقاً لم تألفه منذ زمن. كان الخوف كبيراً من أن تنتهي مسيرة «ال كابيتانو» على هذا النحو المأسوي. كان أنصار إنتر ينتظرون بين الفينة والأخرى، بعد تأكدهم من أن إصابة زانيتي في وتر أخيل خطيرة وهو بحاجة إلى عملية جراحية، أن يعلن الأخير نبأ اعتزاله الصادم.
في اليوم التالي (30 نيسان) خضع «ال كابيتانو» للعملية وخرج من المستشفى وبات أكيداً أنه لن يعود الى الملاعب قبل أقل من ستة أشهر. غير أن «ال كابيتانو» رفض الاستسلام. قالها بالفم الملآن: «هدفي هو أن أعود أقوى مما كنت، وأعتقد أنني قادر على القيام بذلك. عليّ أن أقوم بتغيير الإطارات بعدما قطعت أميالاً طويلة وأنا آسف لنهاية موسمي بهذا الشكل».
كلمات أعادت الروح الى أنصار إنتر ميلانو. كلمات جاءت مرة أخرى لتثبت مدى العزيمة التي يتمتع بها هذا النجم الكبير، إذ ليس بقليل أن يتعرض لاعب لمثل هذه الإصابة، التي وصفها زانيتي بـ«الأخطر في مسيرتي»، وهو يقترب من بلوغ الـ 40 عاماً أن يقرر إكمال المشوار. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى ولاء «ال كابيتانو» لقميص الـ«نيراتزوري».
وأكثر، فإن هذه المحنة كشفت مدى المحبة والاحترام اللذين يكنّهما الخصوم قبل الأصدقاء لزانيتي، فعلى سبيل المثال، توجه «ملك» روما، فرانشيسكو توتي، بكلمات مؤثرة لزانيتي عقب الإصابة قائلاً: «لا تفعلها خافيير (الاعتزال). سأنتظرك في مباراة إنتر وروما القادمة. علما الفريقين لا يمكن أن أتبادلهما إلا معك».
الأحد، سيحل إنتر ميلانو ضيفاً على نابولي في ملعب «سان باولو»، لكن زانيتي لن يكون هناك. سيكون المشهد، لا شك، ناقصاً، غريباً، موحشاً بغياب هذا النجم الكبير أداءً وعطاءً وتفانياً. مشهد لم تألفه جماهير الـ«نيراتزوري». لا طعم لإنتر من دون زانيتي... بانتظار العودة القوية «إل كابيتانو».