هو زمن التحوّلات لا يزال مستمراً بالنسبة الى المنتخب الايطالي لكرة القدم. قدوم تشيزاري برانديللي كان مفصلياً في هذا الخصوص، اذ بغض النظر عن النتائج المحقّقة في تصفيات كأس العالم 2014 حتى الآن، فان هذا المدرب صاحب الفلسفة الايطالية المغايرة يسير باصرار على تطبيق ما يراه مناسباً من اجل ان تقف ايطاليا بين الكبار في المونديال المقبل.
منذ وصوله الى سدّة التدريب انطلق برانديللي من فكرة انه اذا ما اراد اصابة النجاح فيفترض بإيطاليا ان تحذو حذو اسبانيا والمانيا مثلاً من خلال زرع فلسفة جديدة في ادارة وتطوير المنتخب الايطالي، وذلك بعدما اصبحت الخطط الايطالية بالية ومقروءة بالنسبة الى اضعف الخصوم. وهذا الامر ثبُت في مونديال 2010 عندما اصبح «الازوري» اول منتخب يفقد لقبه بطلاً للعالم منذ الدور الاول حيث كان خروجه من مجموعة كان يفترض ان تكون نزهة بالنسبة اليه وضمّته الى سلوفاكيا والباراغواي ونيوزيلندا عامذاك، لكنه لم يتمكن من الفوز بأي مباراة.
ومع وصول برانديللي، ادرك هذا المدرب انه يفترض ان يبني على ما تركه سلفه مارتشيلو ليبي في حقبته الثانية بين 2008 و2010، لكنه ذهب الى احداث تغييرات ضرورية لاخراج ايطاليا من الاسلوب الدفاعي الممل والبطء في الهجوم، وهو المعروف انه من المدربين الايطاليين القلائل الذين يهوون الانطلاق الى الامام، وقد سبق ان اثبت هذه المسألة عندما كان مدرباً لفيورنتينا.
طبعاً، لم يبتعد برانديللي عمّا تعتمده الاندية الايطالية من فلسفات، وهي متشابهة الى حدٍّ ما، لكن تلك النزعة الهجومية التي طالب لاعبيه بها، كانت المفاجأة في كأس اوروبا 2012 حيث صدم المانيا القوية بهدفي ماريو بالوتيللي في الدور نصف النهائي. لكن هذه النزعة ربما كانت سيفاً ذا حدين، فعجز الطليان امام الاسبان في النهائي ولقوا خسارة نكراء برباعية نظيفة.
وبعكس التقاليد المتبعة لهزيمة من هذا النوع، فقد لمس الايطاليون تبدّلاً ايجابياً في اسلوب منتخبهم الذي صار ممتعاً، فكان تجديد الثقة ببرانديللي الذي لم يزح عن الخط حتى الآن، بل لا يزال سائراً في اخذ عيّنات من الثقافات المختلفة في البلدان الناجحة اخيراً في اوروبا. وهنا الحديث عن ذهابه نحو الطريقة الاسبانية عبر التشديد على اسلوبٍ واحد معتمد (مع تنويع بسيط بحسب مقتضيات المباريات)، وذلك من اجل ضمان انه مهما تبدلت اسماء اللاعبين سيبقى مستوى الاداء ثابتاً الى حدٍّ بعيد.
كذلك، ذهب الى المدرسة الالمانية التي كان سرّ نجاحها اخيراً بالخلط بين عناصر الخبرة والشبان، فهو اذ استدعى امثال بالوتيللي وجوسيبي روسي، فقد عزّزهم بعناصر لها صولاتها وجولاتها على الساحة الدولية على غرار انطونيو كاسانو. اضف انه لا يمانع اليوم عودة نجم روما فرانشيسكو توتي الى صفوف المنتخب الازرق، اذ قال سابقاً: «لا يمكننا تجاهله في حال وضع المنتخب ضمن حساباته لسنة 2014».
وهذه النقطة تعطي برانديللي دعماً اكبر، فهو ابتعد عن المشاكل مع كل الاطراف ولم يوصد الباب في وجه احد، ما جعل القادمين والراحلين عن المنتخب يشيدون به. كذلك، ذهب برانديللي الى خوض التجربة الهولندية عبر انتقاء اسماء يافعة من اجل بناء فريقٍ للمستقبل، فكان واضحاً استدعاؤه لماركو فيراتي لاعب باريس سان جيرمان الفرنسي حالياً يوم كان لاعباً في الدرجة الثانية، والامر عينه ينطبق على أنجيلو أوغبونا، والنجم اللامع ستيفان الشعراوي الذي اصبح في عداد المنتخب قبل ان يقدّم ذاك الاداء الرهيب مع ميلان في الموسم المنتهي.
ولم يسقط برانديللي ايضاً التوجه الفرنسي حيث كان بالوتيللي الغاني الاصل، واوغبونا النيجيري الاصل، والشعراوي المصري الاصل، ضمن الخيارات الاساسية رغم ان ايطاليا لم تعهد سابقاً الاعتماد على المجنّسين او ابناء المهاجرين...
وربما يتساءل البعض لماذا يقوم برانديللي باستدعاء اسماء كثيرة في كل مرة يجمع فيها منتخبه، وهو سؤال في محلّه، لكن الاجابة عنه قد تكون ضمن توجّه فلسفي جديد في عالم كرة القدم، ويتمحور حول اعطاء الثقة للاعبين الصاعدين قبل ان ينضجوا، اذ ان استدعاء لاعب شاب الى صفوف المنتخب الاول وهو في سنٍّ صغيرة، سيعطيه دفعاً كبيراً للسعي نحو التطور. وهذا الاندفاع سيتضاعف عندما لا يجد اللاعب نفسه بين اللاعبين الـ 23 المختارين للمباريات الرسمية، ما يرفع من مستواه بشكلٍ كبير عبر عمله واصراره على الارتقاء الى المستوى المطلوب.
هي عناوين كثيرة في زمن التحولات الذي يعيشه «الازوري» حالياً، لكن الابرز هي التقنية، الانضباط، والهجوم، فهذه هي كرة ايطاليا الجديدة، التي قد تفاجئ العالم في 2014.



برانديللي مدرّب اللاعبين وصديقهم

يبدو جليّاً أن جزءاً من الاستقرار الذي عاشه المنتخب الايطالي مع تشيزاري برانديللي هو بسبب معرفة الاخير بالتعامل مع نجومه أصحاب المشاكل الكثيرة داخل الملعب وخارجه، مثل ماريو بالوتيللي الذي أظهر له المدرب كل دعمه بعد الادّعاءات الأخيرة أن نجم ميلان كان ضمن عملية تجارة مخدرات قامت، إذ قال برانديللي: «الحقيقة هي ما يقوله ماريو فقط».