يوجد في لبنان 14 حكماً دولياً، لكن ليسوا جميعهم يشاركون في قيادة مباريات خارجية. فقط حكام النخبة السبعة هم من يكلفون آسيوياً، وهم أندريه حداد، علي صباغ، رضوان غندور (حكام ساحة)، هادي كسّار، زياد بيراق، علي عيد وعبدالله طالب (مساعدون). أما الحكام السبعة الباقون فهم يحملون الشارة الدولية لكنهم لا يشاركون خارجياً. جاءت قضية الحكام الثلاثة في سنغافورة، وهم علي صباغ وعلي عيد وعبدالله طالب، لتفتح الباب على فساد تحكيمي لبناني على الساحة الآسيوية عبر التنسيق مع مكاتب مراهنات حيث يجري التلاعب بنتائج المباريات وفق مصالح تلك المكاتب مقابل أموال تدفع للحكام المتواطئين تصل الى 24 ألف دولار للحكم الرئيسي في مباريات دوري أبطال آسيا، و18 ألف دولار لكل حكم مساعد، مع احتمال تصاعد هذه المبالغ وفق أهمية المباراة. أما في كأس الاتحاد الآسيوي فتبلغ رشوة الحكم الرئيسي 16 ألف دولار و7 آلاف للحكم المساعد.
التحقيقات التي أجراها مكتب مكافحة الفساد السنغافوري تضمنت اعترافات بتورّط حكام لبنانيين لهم باع طويل آسيوياً وعلى علاقة برجل الأعمال السنغافوري «دينغ» الملقب بـ«جيمس». لكن هذه التحقيقات لم تشر الى تورّط جميع الحكام اللبنانيين. فالحكم رضوان غندور لم يرد اسمه في عشرات من صفحات التحقيقات، حيث بقي بعيداً كلياً عن الشبهات، الى درجة أن أحد الحكام المتورطين قال حين سُئل عما إذا كان غندور متورطاً «لا ليس متورطاً، ونحن لا نجرؤ على مفاتحته في هذا الموضوع، لكوننا نعرف رأيه تماماً». وهو سبق أن كشف محاولة رشوة محلية عام 2008 من قبل أحد فرق الدرجة الأولى عبارة عن هدية مالية بعد المباراة من قبل أحد إداريي الفريق الفائز، حيث أبلغ رئيس لجنة الحكام حينها وأمين عام الاتحاد اللذين أجريا تحقيقاً وجرت «لفلفة» الموضوع.
ولا شك في أن تورّط بعض الحكام يعود الى سنوات، وبالتالي يصبح الحكمان عبدالله طالب وعلي عيد خارج هذه الفضيحة، خصوصاً أنهما رفضا ما عرضه عليهما حكمان زميلان، وأبلغ عيد وطالب من عرض عليهما أن مشوار التحكيم أمامهما طويل وهما لا يريدان التورط في أمور مماثلة. وتضمنت التحقيقات تورّط عيد في قبول هدية بعد مباراة في العراق، حيث كان أحد الحكام قد أشار الى تلقّيه هدية مالية بعد المباراة بمسعى من حكم زميل له في اللقاء، الذي أصرّ على إرسال بريد إلكتروني لـ«جيمس» كي يؤمن أموالاً للحكام. لكن عيد، بعد مواجهته بهذه المعلومة من قبل القاضي السنغافوري، نفى أن يكون قد تلقى أي هدية، وأكّد أنه مستعد لمواجهة زميله في الملف، لكن هذا الأمر لم يحصل بعد أن اختتمت القضية. كذلك فإن مشاركات عيد وطالب الخارجية قليلة جداً، وبالتالي هم خارج دائرة الشبهات.
أما بالنسبة إلى الحكام الآخرين، فإن الأمور أصبحت لدى الاتحاد اللبناني لكرة القدم، الذي تلقى كتاباً من نظيره الآسيوي يطالبه باتخاذ إجراءات بحق من هو متورط، من دون معرفة ما إذا كانوا جميعهم متورطين أو لا.
بالنسبة إلى الحكم علي صباغ، تشير المعلومات إلى أنه ينوي لدى وصوله الى بيروت التحدث بصراحة عن كل ما رافق القضية وعن تورّط شخصيات أخرى وصولاً الى مراقبي حكام آسيويين. فصباغ يعلم أن مشواره التحكيمي قد انتهى، علماً بأنه كان من أفضل الحكام فنياً، وبالتالي لا يوجد شيء ليخسره، ولا يمكن أن يقبل بأن يكون هو مذنباً في عيون الناس في حين أن زملاء له متورطون بشكل أكبر ولم تطالهم الاتهامات.
فمشوار تلاعب الحكام اللبنانيين طويل، حيث كسبوا أموالاً طائلة كانت تدفع عبر وسطاء المكاتب في بيروت وليس في الدول التي يقودون فيها المباريات، إذ كان الوسيط يحضر الى بيروت ويقوم بدفع الأموال أو إرسال هدايا عينية للحكام. فعلى سبيل المثال، أُرسل لأربعة حكام لبنانيين ثمانية هواتف IPHONE، بواقع هاتف للحكم وهاتف لزوجته. وقام أحد الأشخاص في المطار بإخراج تلك الهواتف، لكنه اشترط أن يحصل على أحدهم، وهو ما حصل، لتصبح الهدية سبعة هواتف.
وفي نوع آخر من الهدايا أُرسل جهاز إلكتروني للحكم الرئيسي يسمح له بالتواصل مع الحكام المساعدين بقيمة 8 آلاف دولار، واختلف حكمان رئيسيان على من يحصل على تلك الهدية، ولم يعرف ما إذا كان أحدهما قد أخذها أو استعادها رجل الأعمال.
وتشير المعلومات إلى أن نمط حياة عدد من الحكام قد تغيّر جذرياً في السنتين الأخيرتين، إن كان على صعيد السيارات التي جرى اقتناؤها أو على صعيد الملابس والمقتنيات الأخرى. فحين يقوم حكم بشراء خمس ساعات غالية الثمن في دبي، عندها لا بد من السؤال «من أين لك هذا؟». ويرى بعض الحكام أن طاقة القدر قد فتحت لهم حين أصبحوا حكام نخبة، إذ يقول أحدهم لزميل له إن حياتك ستتغيّر 180 درجة، ليس بسبب ما سيتقاضاه مقابل كل مباراة، بل من خلال ما ستدفعه مكاتب المراهنات.
وهناك تواصل دائم بين الحكام في هذا الإطار. ففي سنغافورة تلقّى أحد الحكام الكبار رسالة من زميل له في قطر يفيد بأنه تم الاتفاق على نتيجة إحدى المباريات ضمن دوري أبطال آسيا، التي كان يقودها طاقم حكام لبناني، فما كان من الحكم في سنغافورة إلا أن قال له «مبروك»، وأبلغه أن الأمور إيجابية أيضاً في سنغافورة، وهذا طبعاً قبل إلقاء القبض على الحكام.
واللافت ما قيل عن أن الرأس المدبّر وراء تعرّف الحكام على وسطاء مكاتب المراهنات هو رئيس أحد أندية الدرجة الثانية، والذي تتحفّظ «الأخبار» على ذكره اسمه بانتظار تحرّك الاتحاد، وهذا الرئيس كان يشترط الحصول على 50% مما كان يتقاضاه الحكام، من دون أن يُعلم إذا ما انصاع الحكام له أو لا.




سعي اتحادي لحماية حكامه

يسعى الاتحاد اللبناني لكرة القدم، وتحديداً رئيس لجنة الحكام ريمون سمعان، للحفاظ على سمعة حكامه عبر إيجاد مخرج لائق لهم يحفظ ماء وجوههم، وفي الوقت عينه يكون نهاية لمشوارهم التحكيمي. ويأتي هذا التحرّك بعد الرسالة التي أرسلها الاتحاد الآسيوي قبل يومين، والحديث عن تشكيل لجنة تحقيق وقرارات عن المجلس التأديبي للاتحاد القاري.