مبلغٌ كبير أنفقه ريال مدريد حتى الآن، لكن هذه المرة بصورة تختلف عمّا كان يُقدم عليه في الماضي القريب. ثلاث صفقات من أصل أربع أبرمها الريال حتى الآن، وحملت معها لاعبين إسبان الى «سانتياغو برنابيو»، واللافت بشكلٍ أكبر أن هؤلاء اللاعبين يعتبرون من المواهب الواعدة في بلاد «الليغا»، وهم بطبيعة الحال كانوا من أركان المنتخب الإسباني الفائز أخيراً بلقب كأس أوروبا للشباب.
إيسكو، أسيير إيارامندي، ودانيال كارفاخال يعكسون تماماً لمحة عن السياسة الجديدة التي سيعتمدها ريال مدريد في الفترة المقبلة بعدما نالت الضوء الأخضر من الرئيس فلورنتينو بيريز المتأثر حالياً بأفكار النجم السابق للفريق الفرنسي زين الدين زيدان، الذي سبق أن شدّد على ضرورة تنشيط قطاع الناشئين في النادي، إضافة الى العمل على تعزيز صفوف الفريق بلاعبين شبان، فكان عراب صفقة مواطنه رافايل فاران. وتتفرّع من أفكار زيدان تحليلات عدة، إذ إن الرجل لا يرى ضرورة لحصد النجاح بسرعة فائقة، بل إن كل ما يفترض العمل عليه هو الاستثمار في لاعبين يافعين من أبناء البلد بهدف رسم حقبة ناجحة تمتد لسنوات طويلة، على غرار ما فعل الغريم الأزلي برشلونة.
وانطلاقاً من هذا التشبيه، يمكن اعتبار أن ريال مدريد قد يكون اتّعظ أخيراً من المخطط الناجح والطويل الأمد الذي حمل برشلونة الى أعلى المراتب في العالم وجعله فريقاً رهيباً ولا يقهر في فترة من الفترات. وكما هو معلوم، فإن «البرسا» اعتمد بشكلٍ كبير على الكيميائية بين لاعبيه المحليين وبشكلٍ أدق متخرجي «لا ماسيا» أي الأكاديمية التي تنمو فيها المواهب من طينة شافي هرنانديز وأندريس إينييستا وسيرجيو بوسكتس وتياغو ألكانتارا وغيرهم. وطوال هذه الفترة التي كان فيها برشلونة يقطف ثمار عمله في قطاع الناشئين، عجز ريال مدريد عن تخريج دفعة من اللاعبين المحليين أو حتى لاعبٍ واحد يمكنه أن يظهر مدى نجاح النادي في عملية توفير الأموال عبر الاعتماد على أبنائه عوضاً عن دفع المبالغ الطائلة لاستقدام اللاعبين من الخارج، فكان الحارس إيكر كاسياس النجم الكبير الأخير المتخرّج من «لا كانتيرا»، وهذا الأمر حصل منذ زمنٍ بعيد...
اليوم، ومع اقتناع ريال مدريد بأن «لا كانتيرا» لن تحمل الكثير إليه، أقله في الفترة القريبة المقبلة، بعدما كان الفارو موراتا هو الوحيد الذي قَدِم منها أخيراً ووجد مكاناً خجولاً في الفريق الأول، انتقل القيّمون في النادي الملكي الى الخطة «ب» التي تتمحور حول تطوير الفريق عبر تعزيزه بوجوهٍ محلية، فكان استقطاب إيارامندي من ريال سوسييداد مقابل 50 مليون دولار، وقبله إيسكو من ملقة مقابل 35 مليون دولار، إضافة الى كارفاخال الذي كان قد تركه النادي يرحل الى باير ليفركوزن الألماني، حيث قدّم مستوى كبيراً، ما دفع الريال الى استخدام البند الموجود في عقده، والذي يحق له من خلاله استرداد الظهير الأيمن الواعد مقابل 9 ملايين دولار.
الحقيقة أن الاستراتيجية الجديدة لريال مدريد تبدو جيدة جداً، إذ إن إيسكو يُعدّ النجم الصاعد الأبرز في الكرة الإسبانية، بينما سيكون إيارامندي (أغلى لاعب إسباني اشتراه الريال في تاريخه)، من دون شك شابي ألونسو الجديد، فهو سار على خطى الأخير من خلال وصوله الى الأضواء من بوابة ناشئي ريال سوسييداد، أضف إنه يتمتع بأسلوب لعب مشابه من خلال الرجولية في وسط الملعب والتمرير الدقيق للكرات وتسديد الكرات الثابتة. أما بالنسبة الى كارفاخال، فبإمكانه أن يسدّ فراغاً كان مؤثراً في أداء الريال الموسم الماضي، إذ إن الفارو أربيلوا كان نقطة ضعف في مركز الظهير الأيمن، في الوقت الذي نال فيه الأول تصفيقاً حاداً من جمهور ليفركوزن في كل مباراة خاضها في «البوندسليغا».
لكن باقي العمل يتوقف هنا عند المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، إذ يصعب معرفة ما إذا كان الأخير سيسارع الى اعتماد هؤلاء اللاعبين سريعاً بشكلٍ أساسي، وهي مسألة إذا حصلت ستدفعه الى الاستغناء عن بعض نجوم الموسم الماضي، أقله من التشكيلة الأساسية، فإذا شارك إيسكو سيخرج الألماني مسعود أوزيل من المعادلة، وإذا لعب إيارامندي لن يكون هناك أي مكانٍ لألونسو في وسط الملعب.
لكن، وبغض النظر عن الحسابات الفنية، فإن المشروع يحتاج الى الوقت للنجاح، إذ لا يمكن إغفال أن نجوم برشلونة تدربوا وأكلوا وناموا معاً لسنواتٍ طويلة قبل أن يصبحوا وحدة متماسكة قلباً وقالباً.
الوحدة هي أكثر ما افتقده ريال مدريد في الموسم الماضي.



بداية الاستعدادات


قاد المدرب كارلو أنشيلوتي مساء أمس أول تدريب لريال مدريد، بغياب اللاعبين الدوليين الذين شاركوا أخيراً في كأس القارات. ويتحضّر الريال لمباراته الوديّة الأولى استعداداً للموسم الجديد الأحد المقبل أمام بورنموث الإنكليزي. ويلتقي «الميرينغيز» بعدها ليون الفرنسي في 24 الجاري، ثم يواجه باريس سان جيرمان بطل فرنسا في 27 منه. كذلك يقوم الفريق بجولة في الولايات المتحدة، حيث سيشارك في دورة تضم يوفنتوس وإنتر ميلانو الإيطاليين ولوس أنجلس غالاكسي الأميركي وإفرتون الإنكليزي.