لم تعرف لعبة الفوتسال في لبنان ولادة طبيعية، ففي غالبية البلدان المتطورة نشأت اللعبة، ثم أفرزت منتخباً ومشت في مسارٍ طبيعي. أما هنا، فقد كان الوضع مغايراً، إذ إن البطولة ولدت من رحم المنتخب الذي لفت الأنظار على الساحة القارية والعربية قبل أن يبصر الدوري النور.
وانطلاقاً من هذا الاعتبار، أجبر أداء المنتخب الوطني على إطلاق بطولتي الدوري والكأس، حيث كان الهدف من الأمر الإبقاء على الصورة الطيّبة لهذا المنتخب، لا بل الذهاب الى تطويره من خلال الطرق الطبيعية أي إقامة نشاط يمكن أن يفرز لاعبين جدداً ويؤمن احتكاكاً ضرورياً للاعبين طوال مدة معيّنة وليس من خلال تجمع لفترة قصيرة عشية انطلاق أي بطولة خارجية، كما كانت الحال عليه في الأعوام البعيدة الماضية.
بطولة قوية، تقدّم منتخباً قوياً. هي مقولة معتمدة في كل الرياضات العالمية، وتحديداً في كرة القدم التي تتفرّع منها كرة الصالات. وهنا مخطئ من يعتبر أن اتساع رقعة ممارسة «الميني فوتبول» في لبنان يفترض أن تدفع بعجلة تطور الفوتسال الى الأمام أو تقدّم مواهب جديدة الى المنتخب الوطني، إذ إن الفارق بين اللعبة الأولى الخاصة بالهواة، والأخرى التي تمارس على مستوى احترافي في العالم، يشبه الفارق بين اللونين الأبيض والأسود، إن كان من النواحي التقنية والفنية والاستراتيجية وغيرها. وطوال المواسم الماضية، عملت لجنة الفوتسال في لبنان على محاولة تطوير اللعبة قدر الإمكان، وذلك بدعمٍ مباشر من الاتحاد اللبناني لكرة القدم من رئيسٍ وأعضاء الذين أعطوا الضوء الأخضر في كل مرة أراد فيها رئيس اللجنة سمعان الدويهي العبور باللعبة الى مرحلة متقدّمة، وذلك عندما أقرّ استقدام مدربٍ أجنبي لقيادة المنتخب ضمن الهدف الأول والأخير لوجود اللعبة، أي تقديم منتخبٍ مشرّف.
ومن هنا تبدأ الحكاية، اذ رغم ان المنتخب لم ينجح يوماً في تخطي عقبة الدور ربع النهائي في مشاركاته الخارجية، الا انه اصبح يقدّم أداءً عصرياً، واتسعت مروحة الخيارات ناحية اللاعبين بعد اكتشاف المدرب الاسباني باكو أراوجو مواهب عدة وعمل على صقلها لتحلّ بدلاً من المخضرمين الذين لم يعد بإمكانهم مجاراة منافسيهم خارجياً.
لكن كل هذا العمل يفترض ان يقترن باستمرارية، وخصوصاً وسط التطور الملحوظ الذي أصابته المنتخبات العربية والآسيوية، التي لم توفّر جهداً او مالاً لتقوية أنفسها، فأصبحت منتخبات مثل فيتنام المتواضعة تقف بجرأة في وجه لبنان، وبات الأخير يسأل عن حظوظه في التأهل الى كأس آسيا بعدما كان سيّداً على منطقة غرب آسيا خلال سنوات خلت. لكن وضع المنتخب قد يكون اصعب في السنوات المقبلة في حال لم تتأمن هذه الاستمرارية، وذلك من خلال النوادي التي تُسأل اليوم عن الدور الذي لعبته في مجال تطوير اللعبة بعد 5 مواسم على انطلاقها.
الجواب قد يكون سلبياً الى حدّ كبير، فالمساهمة في عملية التطوير لم تُطلب أصلاً من الأندية من قبل القيّمين على اللعبة الذين عملوا على دعم هذه الأندية قدر الإمكان ولو بشكلٍ معنوي (حفظ حقوقها، تنظيم بطولة شفافة، تطوير الجهاز التحكيمي، اقامة الدورات الخاصة بالمدربين...). لكن بعد خمسة مواسم والتسارع في التطور الذي أصاب اللعبة اقليمياً وقارياً، لا بدّ من أن تبدأ النوادي مع انطلاق الموسم الجديد في التفكير بكيفية المساهمة في عملية التطوير التي تخلّفت عنها، وذلك من خلال نقاط اساسية. وهذه النقاط تبدأ من تبديل الثقافة العامة، وذلك من خلال التأكد ان ادخال المدرب الأجنبي هو الأساس، اذ لم يعد مسموحاً بأن يقضي لاعبون موسماً كاملاً مع فرقهم من دون أن يتطوروا بنسبة قليلة. كذلك، ينطبق الأمر على استقدام لاعبين أجانب يمكنهم التأثير باللاعبين المحليين. وهذه العملية يفترض أن تكون دقيقة من خلال التعاقد مع أجانب مميزين لا منتهية صلاحياتهم بفعل تقدّمهم في العمر الى حدّ غير مقبول، على غرار ما حصل في حالات عدة. كما يمكن ذكر انه يفترض ببعض الأندية، وخصوصاً تلك البارزة منها أن تفكر في المصلحة الوطنية قبل مصلحتها الخاصة، من دون الانغماس في العرقلات، وذلك عبر تسهيل وجود لاعبيها في المنتخب الذي يعكس فعلاً صورة الفوتسال في لبنان عند أي تمثيل خارجي على اعتبار أن الأهمية بالدرجة الأولى هي للمنتخبات قبل أي أحدٍ آخر، اضافة الى أن لاعبيها سيتطوّرون بفعل احتكاكهم على أعلى مستوى خارجياً.
طبعاً، سيكون من الصعب على النوادي تطبيق كل هذه الأمور دفعة واحدة، لكن التوصيات الأخيرة للاتحاد الآسيوي بعد زيارته لبيروت تشير الى وجوب العمل الفعال للنوادي في إحداث التطوير، وذلك حتى تخرج اللعبة من طور النشاط وتذهب الى تأكيد حضورها كإحدى الرياضات التي حجزت مكاناً أساسياً عند المتابعين في الأعوام الأخيرة.