لم يكن بالامكان غضّ النظر عن تلك العودة اللافتة التي سطّرها ليفربول أمس في مباراته أمام كريستال بالاس (2-1)، في الدوري الانكليزي. وهذه الوقفة لها اعتبارات عدة، أولها ان فريق "الحمر" كان يلعب خارج قواعده، ما يعني ان الافضلية كانت في مصلحة مضيفه. اما ثانيها فهو انه تأخر بهدف، بينما كان ثالثها أنه أكمل المباراة بعشرة لاعبين منذ الدقيقة 63 بعد طرد جيمس ميلنر، لكنه رغم ذلك خرج فائزاً بالنقاط الثلاث.
هذه العودة الكبيرة أضحت سمة فريق "أنفيلد رود" منذ فترة، والامثلة باتت ملموسة في الفترة الاخيرة، إذ لا يمكن إغفال ما حصل طوال أسبوعين اذا ما قرأنا نتائج "الحمر". قبل ايامٍ قليلة على فوزه الكبير على مانشستر سيتي بثلاثية نظيفة، كان ليفربول قد خرج خائباً من المباراة النهائية لكأس رابطة الاندية الانكليزية المحترفة بخسارته امام الفريق عينه بركلات الترجيح. وفي وقتٍ كان سيتأثر فيه أي فريق جراء صدمة كهذه، بعدما فرّط بلقبٍ كان قريباً منه، بدا ليفربول غير متأثر بما عاشه في نهائي المسابقة، فردّ التحية لسيتي بطريقة أقسى، نافضاً سريعاً غبار تلك الهزيمة المريرة.
شخصية ليفربول تغيّرت كثيراً عمّا كانت عليه في الاعوام الخمسة الماضية

كل هذا العرض هو للتأكيد على ان ليفربول باتت له شخصية مغايرة عن تلك التي عرفناها عنه، أقله في الاعوام الخمسة الاخيرة، او لنقل عند وجود المدرب الايرلندي الشمالي براندن رودجرز، فأصبح مع الالماني يورغن كلوب يلعب للاستمتاع، ومؤمناً بقدراته، ولا يهمه انه لن يتوّج بلقب الـ"بريميير ليغ" في نهاية الموسم الحالي، بل جلّ اهتمامه هو كسب التحديات الاسبوعية وترك رسالة واضحة بأنه يسير في خط تصاعدي قد يقطف ثماره في الموسم المقبل، وخصوصاً اذا ما اجرى تعاقدات محددة.
وهذا الكلام يأخذنا الى القول إنه مع كلوب لم يتغيّر الكثير في التشكيلة بسبب ضيق الوقت الذي واجهه المدرب بعد قدومه فجأة للحلول مكان رودجرز، حيث لم يكن مع الفريق منذ بداية الموسم ليضع استراتيجية واضحة تبدأ من إعداد الفريق وتمرّ بسوق الانتقالات. لكن ما غيّره كلوب هو كثير، وانعكس ايجاباً على الفريق، ليظهر بالصورة التي نتحدث عنها.
الثورة الحبية التي أشعلها الالماني بدأت في تحميله اللاعبين المهاجمين مسؤوليات دفاعية، مع الاصرار عليهم لتنفيذها، الامر الذي محا صفة الهشاشة الدفاعية عنه، فبات يتلقى أهدافاً أقل، رغم ان الموسم الحالي في انكلترا هو من اكثر المواسم هجومية وغزارة للاهداف. والدفاع كان الاساس بطبيعة الحال في العمل المركّز لكلوب، الذي أعاد إحياء عناصر مهمة فيه، أولها الفرنسي مامادو ساخو الذي يلعب دوراً قيادياً حالياً في خط الظهر بعدما كان قد فقد ثقته بنفسه مع رودجرز، وتحديداً منذ ان استقدم الاخير المدافع الكرواتي ديان لوفرين مقتنعاً به أكثر من نظيره الاسمر. والى جانب ساخو، أصبح هناك عنصر ثابت ومفيد للمجموعة هو الاسباني البرتو مورينو، الذي أعاد المدرب الالماني اليه هويته الحقيقية، فبات ظهيراً لا جناحاً أيسر، ما شكّل ضمانة اكبر لخط الظهر مع تقديم مورينو افضل أداء له منذ ارتدائه القميص الاحمر.
والاجراءات التكتيكية التي ذُكرت هي عيّنة بسيطة، أو لنقل الاكثر تأثيراً في المستوى العام، وقد ترافقت مع اجراءات انضباطية فرضت حالة مغايرة في ليفربول، حيث منع المدرب زوجات وصديقات اللاعبين من الحضور الى مقرّ التدريب أو النادي، وهي خطوة لم يعارضها احد، كون شخصيته باتت محببة كثيراً وبشكلٍ سريع بين لاعبيه النجوم والشبان منهم، وهو الذي سارع الى إشراكهم من دون تردد في مباريات عدة، وخصوصاً في كأس الرابطة، رغم أنه لم يصل الى النادي منذ فترة طويلة ليتعرف إلى قدراتهم الحقيقية التي لا تظهر عادةً الى العلن كما يظهر أداء اللاعبين الاساسيين المعروفين في الفريق الاول.
هو يورغن كلوب مجدداً، ينفخ الروح في فريقٍ ميت آخر، إذ لا يزال العالم يذكر بدقّة كيف انتشل بوروسيا دورتموند من معاناته ورفعه الى السماء السابعة.