لم يكن هناك مجال للجدال في فترة كبيرة من ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته عند السؤال عن البطولة المحلية الأفضل في أوروبا، إذ إن الجواب الجازم كان حتماً إنها البطولة الإيطالية. إلا أن الأمور تبدّلت كثيراً في الألفية الجديدة وسار الدوري الإيطالي في طريق منحدر تدريجاً، حتى وصل الوضع الى خسارته مكانته على الساحة الأوروبية من حيث القيمة عند الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا)، أو من حيث النظرة إليه من قبل النجوم الذين هجروه أو غضّوا الطرف عن القدوم إليه، مفضلين الذهاب الى بطولات أخرى حيث النجاح أفضل والمال أكثر.
هذه المعضلة يمكن إيجادها في أمثلة كثيرة، لكن التفاؤل أصبح أفضل في الفترة الأخيرة، إذ رغم خروج المزيد من النجوم من «الجنّة الإيطالية» (كان لقب الدوري الإيطالي في فترة مضت)، أمثال الأوروغوياني إدينسون كافاني المنتقل من نابولي الى باريس سان جيرمان الفرنسي، فإن خيرة من اللاعبين أصحاب الأسماء الرنانة عبروا أخيراً الى بلاد «الكالتشو». وهؤلاء يعطون «أوكسيجين» للكرة الإيطالية هي من دون شك بحاجة إليه، إذ بعدما حزم أهم نجم في إيطاليا ماريو بالوتيللي حقائبه وعاد أدراجه لينضم الى ميلان، تاركاً الملايين الإماراتية خلفه في مانشستر سيتي الإنكليزي، كانت الموافقة بالإيجاب لافتة لعددٍ من النجوم الذين كانوا بعيدي المنال قبل أشهرٍ معدودة.
وهنا الحديث عن قدوم النجمين الأرجنتيني كارلوس تيفيز وفرناندو ليورنتي الى يوفنتوس بطل الموسمين الماضيين، إضافة الى انضمام الهداف الألماني ماريو غوميز الى فيورنتينا، ومثله نظيره الأرجنتيني غونزالو هيغواين.
ومجرد ما حطّت هذه الأسماء فإنها أفرزت إيجابيات كثيرة على الـ«سيري أ»، إذ ليس من السهل على تيفيز القبول بترك كل الإغراءات الموجودة في مانشستر سيتي الذي توّج معه بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز، من أجل الانضمام الى فريقٍ إيطالي. والأهم أن «الأباتشي» ترك بطولة تجذب الأنظار والجماهير إليها بشكلٍ كبير، مقابل لعب يوفنتوس في أكثرية المباريات أمام مدرجات شبه خالية.
كذلك، ينطبق الأمر على غوميز الذي ترك بايرن ميونيخ بطل ألمانيا وأوروبا وجاء الى فريقٍ سيكون مستحيلاً عليه الفوز بلقب الـ«سكوديتو»، وذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة «السوبر ماريو» كثيراً إثر نجاحات الموسم الماضي، وكان بإمكانه الانتقال الى نادٍ أكبر. أما هيغواين فهو من دون شك أقدم على خطوة يعتبرها البعض خلفية، إذ ترك ريال مدريد الإسباني العظيم للانتقال الى نابولي...
وهؤلاء اللاعبون النجوم وغيرهم المتوقع قدومهم في الفترة المقبلة يمكنهم إعادة البريق الى الدوري الإيطالي واجتذاب الجمهور المحلي بأعداد أكبر، وما الاستقبال الجماهيري الرائع الذي لقيه كلّ من غوميز وهيغواين سوى عيّنة عن أن المشجعين الإيطاليين بحاجةٍ ماسة الى كتيبة من النجوم تغني بطولتهم، على غرار ما كان عليه الأمر عندما تنعّمت الـ«سيري أ» بأفضل لاعبي العالم في فترات متلاحقة، أمثال الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا والفرنسي ميشال بلاتيني في الثمانينيات، والفرنسي زين الدين زيدان والبرازيلي رونالدو في التسعينيات. وهذا أمر يبدو من المستحيل تحقيقه حالياً، إذ يمكن الجزم بأن الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو لن يتحمسا لفكرة القدوم الى الدوري الإيطالي.
لكن لا يمكن القول إن اللاعبين النجوم أخطأوا في الابتعاد عن الكرة الإيطالية لأسبابٍ عدة، أولها الضرائب المرتفعة التي تستنزف رواتبهم، ففضّلوا الذهاب الى إسبانيا وإنكلترا وحتى فرنسا، حيث المستثمرون الأجانب. وبالفعل مع ابتعاد النجوم عن إيطاليا، أصبحت النتائج أضعف على الساحة الأوروبية، فسجلت الأندية نتائج متواضعة طوال الأعوام القريبة الماضية، باستثناء إنتر ميلانو الفائز بلقب دوري أبطال أوروبا عام 2010. وهذه النتائج السلبية أبعدت النجوم أيضاً لسعيهم نحو الانتقال الى أراضٍ خصبة يمكن فيها إصابة المجد. وكل هذه الأمور أنزلت خسائر إضافية بالكرة الإيطالية التي فقدت حتى مكاناً لمصلحة ألمانيا بالنسبة الى المشاركة في دوري الأبطال، وهو أمر وإن اعترض عليه الإيطاليون، فإن الألمان في الموسم الماضي أثبتوا صحة قرار «يويفا».
ورغم كل هذه النقاط، تبدو إيطاليا أمام إشراقة ونهضة جديدتين، إذ إن فتح الطريق مجدداً أمام إقناع النجوم بالقدوم الى الـ«سيري أ» سيعيد للكرة الإيطالية لمعانها، وهي التي كانت تصدّر النجوم سابقاً ضمن سعي البطولات الأخرى لنسخ نجاحاتها.



المستثمرون هم الخلاص

يرى كثيرون في المستثمرين خلاصاً للكرة الإيطالية، لذا كان واضحاً أن الصحف الإيطالية قامت بحملة تشجيع لرئيس إنتر ميلانو ماسيمو موراتي من أجل بيع النادي الى الملياردير الأندونيسي إيريك ثوهير (الصورة)، إلى درجة ذهبت فيها الى وضع صورٍ مركّبة له وهو يحمل قميص إنتر وعليه اسمه على صفحاتها الأولى. وكانت هذه الصحف قد قامت بحملة مماثلة مع رئيس ميلان سيلفيو برلوسكوني في فترة سابقة، حيث تعتبر أنه لا يمكن مجاراة الأندية الإنكليزية والإسبانية والفرنسية سوى عبر أموال المستثمرين.