بالجملة والمفرق يحضر اللاعبون الاجانب الى لبنان هذه الايام لخوض تجارب مع الفرق التي تستعد لانطلاق الموسم الكروي الجديد. من مختلف القارات يأتون، لكن الجنسية البرازيلية او السنغالية او العاجية لا تمنح حاملها القادم الى لبنان موهبة بحجم تلك المواهب التي صدّرتها البلدان المذكورة وغيرها الى اهم البطولات الاوروبية.
فعلاً، تبدو عملية البحث عن الاجنبي المميّز هذه الايام، أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش، اذ ان موسماً بعد آخر تزداد الامور سوءاً، فيصبح احياناً الفارق بين اللاعب اللبناني ونظيره الاجنبي هو لون البشرة او جواز السفر فقط، لا بل اصبح غالبية القادمين الاجانب ادنى مستوى من لاعبين كثيرين في الدوري اللبناني.
وهذه الظاهرة لن تسقط في الموسم الجديد، وخصوصاً ان المستوى المتطوّر لكثيرٍ من اللاعبين اللبنانيين بدأ يكشف عورات نظرائهم الاجانب، والدليل ان عدد اللاعبين المحليين الذين ينتقلون للاحتراف في الخارج يزداد بشكلٍ مضطرد، وفي بطولات مهمة، لم تتمكن غالبية الاجانب الذين اعتبروا لبنان محطة ثانوية في مسيرتهم، من الوصول اليها.
من هنا، كان الاجانب المميزون نادرين في الموسم الماضي، اذ يمكن ذكر اسماء قليلة جداً في هذا الاطار، امثال ثنائي شباب الساحل النيجيري دانيال أودافين والمالياني أوليسيه ديالو الذي حصد ثمن تألقه بالاحتراف في نيمزيتي المجري. ويضاف اليهما البرازيلي ادواردو دا كونسيساو الذي برز مع الاخاء الاهلي عاليه وانتقل للعب مع الرفاع البحريني. اما الباقون فكانت غالبيتهم مجرد اسماء اجنبية، وهذا ما يفسّر اعتماد العهد على اجنبي وحيد عند بداية الموسم الماضي هو الغيني ابو بكر ديالو، ثم لم ينتظر طويلاً للاستغناء عن الثنائي العاجي كاليموندو فوفانا والغاني كونستان جونيور عقب استقدامهما عند انتصاف الموسم، في صفقتين خاسرتين بكل المعايير. وحتى الصفاء بطل لبنان لم يلعب اجانبه، باستثناء المغربي طارق العمراتي، دوراً كبيراً في احراز اللقب، فلم تفضِ صفقتا السوري احمد العمير والمصري عمرو سماكة الى المطلوب، بينما يعدّ النيجيري صامويل أوتشي مهاجماً عادياً، وارقامه التهديفية تحكي عنه، اذ من المفترض ان يكون المهاجم الاجنبي هو الهداف الاول للفريق ومنقذه في المباريات الكبيرة. ولهذا السبب كان المهاجم الرواندي ميدي كاغيري موجوداً في مباراة تجريبية للصفاء امس امام ضيفه السلام زغرتا
(3-1) حيث سجل هدفين، وهي شكّلت ظهوراً للاعب الوسط السوري طه دياب، وللاعب الاتحاد السكندري المصري سابقاً محمد العشري، الذي بدا مدافعاً عادياً، ولن يكون بمقدوره تعويض العمراتي الذي ترك الفريق من دون ان يغادر بيروت حيث يتردد انه سيفتح صفحة مفاوضات شمالية...
اذاً، بين الماضي والحاضر تختلف الامور كثيراً، وهذا ما يؤكده مدرب السلام زغرتا عساف خليفة الذي برز كأحد افضل الاجانب الذين قدموا الى النجمة في تسعينيات القرن الماضي عبر الاهداف الغزيرة التي سجلّها، وقد توّج هدافاً للدوري اللبناني في موسم 1995-1996 برصيد 19 هدفاً. صاحب القميص النبيذي الرقم 11 انتقل الى المهمة الاصعب بحسب ما يصفها وهي ايجاد الاجنبي المناسب لفريقه، وهذا ما كان يبحث عنه في اللقاء مع الصفاء حيث دفع بالرباعي السنغالي عبدالله سرج وامادو لامنكن ودوغلاس فاي وبيراي مبي. ويعلّق خليفة على هذه المسألة بالقول: «كان مستوى الكرة اللبنانية مغايراً في الماضي، وقد احتاجت اللعبة الى اجانب على مستوى عالٍ لرفعها، وقد حصل هذا الامر مع قدوم عددٍ كبيرٍ منهم، بينما يتمتع اللبنانيون اليوم بمستوى طيّب ما يفرض استقدام اجانب افضل، وهو امر صعب لاسباب مختلفة على رأسها القدرة المادية المحدودة للاندية». ويضيف: «لن يتغيّر شيء في الوضع الحالي الا بالانتقال الى الاحتراف الذي سيشجع افضل العناصر الاجنبية للقدوم الى لبنان، اذ ليس مقبولاً ان يتمّ ضم اجانب لتعبئة القائمة بأسماء العدد المسموح منهم فقط من دون ان يكون لهم اي تأثير ايجابي على المستوى العام».
وانطلاقاً من هذا الوضع يمكن اعتبار انه وفي ظل تواضع مستوى الاجانب، يستحسن ان تذهب الاندية الى استثمار الاموال المدفوعة لقاء استقدام هؤلاء، في قطاعي الشباب والناشئين، وخصوصاً ان مواهب عدة ظهرت في الموسم الماضي في غالبية الفرق، ويتوقع ان تتحول الى اسماء لامعة في المستقبل القريب.
الا ان البعض يرى ان عملية الحصول على اجنبي من طراز رفيع اصبحت بمثابة التوفيق دون اي شيء آخر، اذ قد يبدو اللاعب مميزاً الى ابعد الحدود في المباريات التجريبية، لكنه يقع تحت الضغوط في المباريات الرسمية، او يفشل في الاعتياد على الاجواء اللبنانية فيتراجع مستواه لأسبابٍ مختلفة، على غرار ما حصل مع الغابوني جيل اوندو في الموسم الماضي حيث سجل بداية قوية مع النجمة قبل ان يتدهور مستواه ويصبح شبحاً للهداف المنتظر.
وفي هذا الاطار قد يكون النادي تعرّض لعملية غش، او بسبب عدم تعامله مع الشخص المطلوب، اذ يشير مدير فريق الصفاء وسام خليل الى ان الكل اصبح وكلاء لاعبين «اذ ان بعض المدربين ينصتون الى ايّ كان يعيش في بلاد الاغتراب فيتم ارسال لاعبين اجانب غير مناسبين».
واذ يعتبر امين سر السلام زغرتا شربل عزيزي انه يفترض اختيار اجنبي يمكنه التأقلم مع البيئة اللبنانية، يرى مدير فريق الانصار الزميل عباس حسن الى ان المشكلات قد تتسع الى المعاملات الادارية عند تجربة اي لاعب حيث يفضّل ناديه حالياً استقدام البرازيليين على الافارقة لتوفير جهد اصدار تأشيرات دخول دون فائدة احياناً. اما في النجمة فقد اتخذت الامور منحى آخر حيث تشترط الادارة على بعض القادمين من الخارج لخوض تجربة دفع تكاليف السفر!
قد لا يعرف كثيرون من متابعي الكرة حالياً اسم العاجي كلود غوبا الذي كتبت احدى الصحف الرومانية عنه عندما لعب مع الراسينغ ضد رابيد بوخارست في السبعينيات: «بيليه الصغير يلعب في لبنان». لكن الاكيد أن كثيرين يذكرون اسماء السييراليوني محمد كالون، والترينيداديون ديفيد ناكيد وبيتر بروسبار وايرول ماكفرلاين، والنيجريين أديمولا كواسي وصنداي أوكو، والمصري حمادة عبد اللطيف، والبرازيلي طومي جاكوميللي، والسنغالي ماكيتي ديوب...
هي عيّنة من اسماء اجنبية لامعة مرّت في الكرة اللبنانية في الماضي البعيد، والاكيد اننا لن نرى مثلها في المستقبل القريب.