لم تكن عائلة توريه في ساحل العاج تدرك أنها ستأخذ شهرة تتخطى العاصمة أبيدجان وتصل إلى العالمية. لكن كرة القدم غيّرت حياة هذه الأسرة الفقيرة في قرية يوبوغون. في آواخر الثمانينيات بات الجميع في القرية يعرفون كولو ويحيى أو «يايا» وإبراهيم توريه. ثلاثة أشقاء يتشاركون رغيف الخبز كما الحلم. حلم كانوا يتقاذفونه بأقدامهم النحيلة يومياً في حقول بلدتهم. هناك حيث كانت الكرة مأكلهم ومشربهم وسلواهم عندما يفرغون من إعالة أبوَيهم، ولا يعودون الى منزلهم إلا عندما يغفو قرص الشمس خلف ذلك الجبل الكبير، ككبر احلامهم. أحلام بأن يعبروا زرقة البحر ليعانقوا شواطئ أوروبا الذهبية.
ابتسم القدر للأشقاء الثلاثة من خلال الأكاديميات الكروية القادمة من أوروبا لاكتشاف مواهب «القارة السمراء». مضى كولو ويايا وابراهيم إلى حلمهم الأوروبي الكبير. وفي صقيع أوروبا حصل كل منهم على حصته من ذلك الحلم الذي جمعهم في أبيدجان. آن الأوان لكي يتفرّق الأشقاء ويبدأوا رحلة البحث عن «الكنز (الحلم) المفقود». السن والتجربة كانا المرجحين لوجهة الأخوة الأوروبية: أكبرهم سناً كولو حط في لندن مع أرسنال، أما أوسطهم يايا فتوجه الى بروكسل في بلجيكا ليلعب مع بيفيرين، أما صغيرهم إبراهيم فكانت وجهته مدينة دونيتسك الأوكرانية ليرتدي قميص ميتالورغ.
الأيام راحت تمضي وتكشف مَن مِن الثلاثة سيكون الاكثر شهرة. رست الأمور على كولو ويايا. لكن كولو ظل صاحب الحظوة على يايا بقيادته دفاع أرسنال (الآن ليفربول). كان كولو شديد البأس والقوة، وعندما كانت تتحدث الصحافة عن يايا، كانت تعرّف عنه قبل كل شيء بأنه شقيق كولو. يايا لم ييأس، راح يتدرب بقسوة، ناشداً ان يصنع اسماً له مستقلاً عن شقيقه الأكبر. زاد التصميم عند الشاب. هكذا، وجد نفسه في موناكو صيف 2006 بعد تجربتين سريعتين في اوكرانيا واليونان. في الامارة الفرنسية بدأت مواهب يايا تتفجر. وُصف هناك نظراً إلى مقوماته البدنية وقامته بـ«فييرا الجديد». برشلونة لم تطق الانتظار أكثر من عام على موناكو طمعاً بلاعبها العاجي الذي غدا من باحث عن كنز الى كنز بحد ذاته. في صيف 2007 كان الاداريون في برشلونة يستقبلون يايا في مطار المدينة: أهلاً بك الى الحلم الكبير.
في اسبانيا، كبر اسم يايا حتى أزال كلياً من أذهان المتابعين اسم شقيقه كولو وبات يلامس أسماء كبار «القارة العجوز». في 2009، حقق السداسية التاريخية مع الـ«بلاوغرانا»، لكن مدرب الأخير آنذاك، جوسيب غوارديولا، ارتكب خطأه الوحيد ربما بحق الفريق عندما فضّل سيرجيو بوسكيتس على الشاب العاجي. حزم الأخير حقائبه وشد الرحال نحو مانشستر. في المدينة الإنكليزية الشهيرة جمعه القدر مع شقيقه كولو والأحلام مع أبناء المدينة الزرق الذين كانوا يتأهبون لحقبة جديدة تعيدهم الى خريطة الكرة الانكليزية. راهنوا على يايا والأخير لم يخيب الآمال، حيث كان المساهم الأول في ارتقاء الفريق الى منصة التتويج للمرة الاولى منذ 44 عاماً بفعل ادائه المذهل كلاعب ارتكاز.
احلام يايا تواصلت وبدت كأنها أنجزت كلها عندما اختير في 2011 و2012 أفضل لاعب في قارة أفريقيا.
لكن أول من أمس لعب يايا مباراته الاولى في الموسم الجديد، فقاد مانشستر سيتي الى الفوز برباعية نظيفة على نيوكاسل مقدماً أداءً رائعاً ومسجلاً هدفاً مذهلاً من ركلة حرة. في الـ 30 من عمره أظهر لنا يايا أنه لا يزال يحلم. حلمه يبدو كمن لم يكتمل بعد، كأنه لا يزال في مقتبل العمر.




تواضع وانتماء

لم تغير النجومية والشهرة في أوروبا يايا توريه؛ حيث ظل محتفظاً بتواضعه وبانتمائه إلى ساحل العاج. فهو لا يزال يستقل في بعض الأحيان القطار في مانشستر، رغم امتلاكه أحدث السيارات، ولم يتوان في 2009 عن أن يصطحب كأس دوري أبطال أوروبا التي أحرزها مع برشلونة إلى أبيدجان ليُفرح بها مواطني بلده.