لا تزال الأرجنتين تستمد أنفاسها من عبق الماضي. لم تستطع أن تخرج بعد من ذاكرتها. ذاكرة صنعها شاب ذهبي لمع ذات صيف في مكسيكو. كان لمعان سحره أشد من لمعان شمس ملعب «الأزتيك» الساطعة. رقص حينها هذا الشاب في ملاعب المكسيك كثيراً. عام 1986، لا يزال حاضراً في وجدان الأرجنتينيين. قبعات «السومبريرو» والأمواج المكسيكية على المدرجات ويد مارادونا لا تزال تسكن الذاكرة. يومها، خرج دييغو أرماندو مارادونا من الفانوس السحري للأرجنتين ليدهش العالم من أقصاه إلى أقصاه. وفي يوم 29 حزيران حمل المجد الى البلاد عندما رفع كأس العالم للمرة الثانية والأخيرة. صدح الأرجنتينيون وقتها ومعهم العالم «أرخنتينا أرخنتينا». ولدت الأرجنتين حينها، وباتت ملهمة لكثيرين من عشاق كرة القدم.
صنع مارادونا صيف 1986 أكبر الأفراح في تاريخ الأرجنتينين كروياً ولكن، في الوقت عينه، آخرها، فمن بعدها غابت البسمة عن الأرجنتين.
في صيف 1990، كان المونديال الايطالي بانتظار مارادونا ورفاقه. تغيّرت وقتها ملامح دييغو الخارجية عما كانت عليه في مكسيكو، وكذا سحره. انعكست العصبية على اداء نجم نابولي، لذا لم يكن المشهد مفاجئاً في ملعب «أولمبيكو» في العاصمة روما يوم 8 تموز: مارادونا يجهش بالبكاء ومعه كل الأرجنتينيين والملايين حول العالم. خسرت الأرجنتين اللقب العالمي بوجود فتاها الأعظم. كان المشهد درامياً الى أبعد الحدود، وزاد تراجيدية أكثر بعدها بفترة قصيرة. هذه المرة بكت الأرجنتين دييغو عندما سقط «الأيقونة» في الفخ الكبير: المخدرات.
في مونديال 1994 في الولايات المتحدة بصم العالم لمارادونا على صكّ ختام مسيرته عندما ثبت تناوله المنشطات، ودفعت الأرجنتين الثمن غالياً في الدور الثاني أمام رومانيا جورجي هاجي.
انتهت حقبة مارادونا، لكن الأرجنتين لم تنتهِ من إنجاب المواهب، وما اكثرها، من غابريال باتيستوتا الى أرييل اورتيغا الى فرناندو ريدوندو الى خوان سيباستيان فيرون الى خوان رومان ريكيلمي الى بابلو أيمار وغيرهم الكثير، لكن كل هؤلاء مجتمعين فشلوا في تحقيق ربع ما حققه دييغو.
هكذا، كان السقوط مجدداً في ربع النهائي في مونديال 1998 في فرنسا على يد هولندا، ومن ثم الزلزال المدوّي في مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان بالخروج من الدور الاول، ومن ثم الخروج مجدداً من ربع النهائي أمام ألمانيا في مونديالها عام 2006، وختاماً بالكارثة في ربع نهائي مونديال 2010 في جنوب أفريقيا أمام ألمانيا ثانيةً.
اليوم تبدو الأرجنتين كمن تستعيد انفاسها بعد ان نجحت في تصدر ترتيب تصفيات مونديال 2014 محققة نتائج لافتة كان آخرها اول من أمس الفوز على الباراغواي بنتيجة 5-2 لتحجز بطاقتها الى مونديال البرازيل.
البلاد التي عاشت الأحزان طيلة 28 عاماً، تعيش الآمال حالياً. ترنو نحو الخروج من ذاكرتها التي تعود الى عام 1986. صحيح أن تلك الذاكرة جميلة، لكن آن الأوان للأرجنتين أن تصنع تاريخاً جديداً. آن الأوان ليصدح العالم «أرخنتينا أرخنتينا» مجدداً. آن الأوان لليونيل ميسي أن يخرج من ذاك الفانوس السحري، أن يدهش العالم ويحفر اسمه في ذاكرة الأرجنتينيين.