كانت ابتسامة فرانك ريبيري وكريم بنزيما وسمير نصري ومدربهم ديدييه ديشان كبيرة قبل أيام وهم يتسابقون في ميدان لسباق الخيل في باريس على هامش معسكر المنتخب الفرنسي استعداداً لمباراتيه الدوليتين: الودية أمام أوستراليا، وفي تصفيات مونديال 2014 أمام فنلندا. لكن هذه الابتسامة لا تعكس مطلقاً ما يعتري قلوب الفرنسيين من حزن وقلق على منتخب «الديوك». الأمور تخطت حدود الغضب من النتائج المتذبذبة والأداء غير الثابت لمنتخب ديشان إلى مرحلة اليأس والاستسلام. فبخلاف التهكم والسخرية اللذين يشتهر بهما الفرنسيون، فإن تصويتاً لموقع راديو مونتي كارلو الشهير، على سبيل المثال، أظهر أن 53% من الفرنسيين الذين شملهم الاستفتاء هم مع تأهل منتخب بلادهم لبطولة كأس العالم في البرازيل الصيف المقبل، في حين أن 47% منهم مع عدم حدوث ذلك! يبدو صادماً فعلاً أن نسبة كبيرة كهذه لا تحبذ أن يكون منتخب بلادها حاضراً في أهم عرس رياضي في العالم.
نتائج هذا الاستفتاء تعطي فكرة واضحة عن واقع الحال في فرنسا. ففي الوقت الذي كان من المنتظر فيه أن يلتف الفرنسيون أكثر حول منتخبهم الذي يسير نحو الملحق الأوروبي، وهو قد يصطدم بمنتخبات قوية على شاكلة السويد أو البرتغال بسبب تصنيفه الدولي حيث يحتل المركز الـ 25، تبدو الصورة معاكسة على نحو كبير، علماً أن الفرنسيين عرف عنهم تعصبهم الكبير لمنتخبهم الكروي، وهذا ما تجلى في أبهى حلله في مونديال 1998 الذي استضافته البلاد وفاز به فريق النجم السابق زين الدين زيدان، حيث عبّر الفرنسيون عن احتضانهم ذاك المنتخب بأبهى الطرق.
لكن يبدو واضحاً أن المنتخب الفرنسي فقد الكثير من الثقة في السنوات اللاحقة، مقارنة بما كانت عليه الحال حتى عام 2000 (فاز بكأس أوروبا)، وهذا مردّه طبعاً إلى السقطات الكثيرة المتتالية، بدءاً بالخروج من الدور الأول لمونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، وكذلك الحال في مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، إلى الفشل كذلك في كأس أوروبا بالخروج من ربع نهائي «يورو 2004» في البرتغال ومن الدور الأول لـ«يورو 2008» في سويسرا والنمسا ومن ربع نهائي «يورو 2012» في بولونيا وأوكرانيا. هذا فضلاً عن المشاكل التي لا تُعَدّ ولا تحصى في غرف تبديل الملابس بين اللاعبين والمدربين خلال معظم مشاركات «الديوك» الخارجية التي تركت آثاراً كبيرة في نفوس الفرنسيين جعلتهم يفقدون الثقة تدريجاً بمنتخبهم.
هذه الثقة المفقودة انسحبت على اللاعبين حالياً. فكريم بنزيما، مهاجم ريال مدريد الإسباني، مثلاً، فشل في التسجيل منذ حزيران عام 2012، ما جعله عرضة لانتقادات قاسية من الرأي العام الفرنسي. حتى إن فرانك ريبيري، لاعب وسط بايرن ميونيخ الألماني، رغم نجوميته الكبيرة حالياً وحصوله على جائزة أفضل لاعب في أوروبا وحظوظه العالية في الظفر بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، فإنه شعبيته تبدو معدومة في بلاده مقارنة بما عليها الحال في ألمانيا، بحسب الاستطلاع الذي كشفت نتائجه قبل فترة وجيزة صحيفة «فرانس فوتبول» الشهيرة، وهذا ما يؤثر على اللاعب طبعاً ويجعل أداءه مع «الديوك» يبدو مختلفاً كلياً عمّا عليه الحال مع ناديه البافاري.
أما المدرب ديشان، فيعاني بدوره من الانتقادات بسبب خياراته وخططه بما فيها إصراره على بنزيما حيث لم يتوان عن التصريح أمس بأنه سيبقى يعتمد على مهاجم ريال مدريد «حتى لو امتد صيامه عن التهديف لمدة 180 ساعة»، وهو ما يظهر «استخفاف» هذا المدرب بالمهمة الملقاة على عاتقه، وكأن فرنسا لا تمتلك مهاجمين غير بنزيما الذي بات قريباً من أن يلقى نفسه خارج أسوار مدريد، وكأن كأس العالم ليست على الأبواب.
في حقيقة الأمر، تتخطى الأمور في فرنسا حالياً مسألة مشاكل المنتخب الحالي إلى الإطار الأوسع والأشمل والمتعلق بمبادئ الكرة الفرنسية منهاجاً وثقافة، وهذا ما يمكن الركون إليه من خلال تصريحين لنجمين سابقين هما ريشار ديترويل والكبير إيريك كانتونا.
فبالنسبة إلى النقطة الأولى، يرى ديترويل، حارس مرمى برشلونة السابق، أن «الكرة الفرنسية تمتلك مواهب كثيرة ولاعبين مهرة، لكنها تفتقر إلى اللعب الجماعي»، ويشدد على ضرورة إيلاء هذه النقطة الأهمية القصوى في قطاع الناشئين.
أما كانتونا، نجم مانشستر يونايتد الإنكليزي السابق، فيذهب أبعد من ديترويل، مشيراً إلى أن المشكلة هي أعمق من ذلك وتطاول الثقافة الكروية السائدة في فرنسا، حيث يرى أن كرة القدم ليست الأكثر شعبية في بلاده من خلال مقارنته بين الحضور الجماهيري في ملاعبها وفي ملاعب ألمانيا، وأيضاً من خلال نقطة ثانية، ذات أهمية برأي كانتونا، هي عدم وجود فريقَي كرة قدم في مدينة واحدة في البلاد على غرار باقي البلدان، ويقول: «هناك 6 أندية في ريو دي جانيرو، وكذلك في لندن. في باقي المدن الكبرى كروما وبرشلونة ومدريد وبوينوس أيرس ومانشستر وإسطنبول هناك فريقان على الأقل، لكن في فرنسا لم نرَ على الإطلاق فريقين في باريس، وهذا ما ينطبق على باقي المدن. فرنسا ليس لديها ثقافة كرة قدم، ولا شغف كرة القدم».