لم تلد يوركا غرافيتش زلاتان في أزقة ريو دي جانيرو او برازيليا او بورتو ألليغري. غرافيتش، الأم الكرواتية، وسيفيك إبراهيموفيتش، الأب البوسني، أنجبا طفلهما في أحد أحياء مدينة مالمو السويدية، هناك حيث هاجرا إليها في أواخر السبعينيات، غير أن زلاتان ولد جسداً في مالمو... وروحاً في البرازيل.
لا يمكن أن يكون زلاتان إبراهيموفيتش من غير حاملي الهوية البرازيلية. كل شيء فيه يتكلم لغة بلاد بيليه وزيكو. سحر «إيبرا»، قطعاً، ليس من السويد أو كرواتيا أو البوسنة، فيه شيء، أو بالأحرى الكثير، من البرازيل. هذا السحر لا يشبه قساوة البرودة في السويد أو كرواتيا أو البوسنة، فيه كثير من نسيم بحر الكوباكابانا العليل. فيه كثير من كرنفال مساءات الريو ولذيذ قهوة صباحات برازيليا.
لكأن العالم من أقصاه إلى أقصاه يسأل الآن: ماذا بعد يا زلاتان؟ ما أنت فاعل بنا يا فنان؟ ألم تكفك تسديدتك الخلفية الخيالية بـ«الكعب» السبت الماضي، لتخرج علينا بعدها بأيام بهدف بـ«الكعب» مجدداً وآخر من تسديدة لمّا تستوعبها بعد الأذهان؟
نعم، فهاكم الفرنسيين مثلاً، لا تسل ما هو حاصل بهم حالياً بفعل نجم باريس سان جيرمان. هم الذين اعتقدوا في الموسم الماضي أنهم ارتووا بما فيه الكفاية من معين سحر إبراهيموفيتش، إذا بهم هذا الموسم في حالة انبهار تام به، لكأنهم يكتشفون هذا النجم من جديد. وصلوا معه إلى حد «الهوس». فخذ مثلاً الصحف الشهيرة الرياضية في بلاد موليير وفولتير، باتت تتفنن في الكتابة عن زلاتان وتمجيد موهبته. خذ مثلاً نشرات الأخبار على الشاشات الفرنسية الشهيرة، فلم تمنعها الأحداث السياسية الداهمة على البلاد مهما كانت اهميتها وآخرها قضية التنصت الأميركي على مكالمات الفرنسيين، من أن تخصص فقرات لـ«ايبرا» تشرح فيها سر قوة السويدي. ها هي «تي أف 1» مثلاً تقدم السبب للمشاهد الفرنسي (الذي لم يعد يصدق ما يفعله زلاتان) لكي تعيد اليه رشده، وبشهادة أخصائي، وهنا النتيجة تنقله على لسان مدرب لعبة «التايكواندو»، هانز زوهين: «تسديدة زلاتان أمام أندرلخت (التي بلغت سرعتها 100 كلم في الساعة) نادرة عند لاعبي كرة القدم لاستخدامه مقدمة قدمه فيها حيث ان اللاعبين يحاولون التسديد عادة بداخل او خارج القدم. التسديد بمقدمة القدم ينتمي الى لعبة التايكواندو». هكذا، قالها الرجل بوضوح: سبب قوة ابراهيموفيتش وحركاته المدهشة بالكرة يعودان الى كونه يتقن لعبة التايكواندو الحاصل في صغره على حزام أسود فيها، وهذا ما ذهب اليه المحلل في سر هدف السويدي الخلفي بكعب الحذاء أمام باستيا أيضاً حيث رفع «ايبرا» البالغ طوله 1,95 متر قدمه الى علو 1,66 م لتسديد الكرة.
إذاً، «الحقيقة العلمية» تقول إن أساس قوة ابراهيموفيتش هي التايكواندو. ربما هذا صحيح، لكنه لاعب تايكواندو ساحر، وهذا الفرق.
زلاتان إبراهيموفيتش كتاب مفتوح لا تنتهي قصصه ورواياته. كل مباراة يلعبها هذا النجم هي قصة بذاتها. قصص لا يمل القارئ لكثرتها، فقد خط هذا الساحر كلماتها بأسلوب ممتع ومشوّق ولم تعرف الرتابة إلى سطورها طريقاً... أما النهايات فلمّا يحن موعدها بعد. فهذه الساحرة المستديرة لم تشبع بعد من زلاتان. رحل (اعتزل) كثيرون من جيل «إيبرا» وجاءت أجيال أخرى، وظل زلاتان، وحده، «سلطان كل زمان».



حبيب الجميع

لا يتوقف الإعجاب بزلاتان إبراهيموفيتش على عشاقه وأنصار باريس سان جيرمان، بل إن الخصوم أيضاً يكنّون له التقدير ويقرون بموهبته. وآخر الغيث كان في بلجيكا، حيث وقفت جماهير أندرلخت لـ«إيبرا» وصفّقت لأهدافه الأربعة الخيالية، وهذا ما هو نادر الحدوث في عالم كرة القدم.