لن تكون أمسية الأحد عادية على الإطلاق في إيطاليا. مدينة ميلانو ستكون قبلة أنظار العالم بأسره لمدة 90 دقيقة. في أمسية الأحد، لن يكون هناك متّسع من الوقت لالتقاط الأنفاس في مدينة الأزياء العالمية ما بين الساعة 21.45 والساعة 11.30 بتوقيت بيروت. في هذا الوقت ستتحوّل ميلانو إلى مدينة للأشباح إلا في بقعة ساحرة فيها: ملعب «سان سيرو». هناك، على أرض هذا الملعب التاريخي، سيطغى اللونان الأحمر والأزرق. هما لونان أخذا رونقاً آخر في المدينة منذ 18 تشرين الأول عام 1908، تاريخ اللقاء الأول بين الحمر ميلان والزرق إنتر ميلانو في ما عرف بـ«دربي ديللا مادونينا» (مادونينا تعني تمثال السيدة العذراء الموجود في كاتدرائية ميلانو).
منذ ذلك الوقت، تبدّل واقع الحال في ميلانو وانشطرت المدينة إلى قسمين: أحمر وأزرق. مثّل ميلان فريق البورجوازيين في ميلانو وإنتر فريق العمال. منذ ذلك الوقت، أصبح الدربي بين الفريقين يرسم حال أبناء المدينة: نصفهم يفرح عند فوز فريقه ونصفهم الآخر يحزن عند خسارة فريقه. بات الدربي جزءاً لا يتجزّأ من حياة هؤلاء.
في الستينيات، أخذت المنافسة بين ميلان وإنتر بعداً أكثر تنافسياً بعد أن أصبح الفريقان يضمان أبرز نجوم البلاد المتوَّجة بكأسين للعالم حينها، وباتا رقماً صعباً في البطولة المحلية والبطولات الأوروبية. تلك الفترة عُرفت بحقبة ماتزولا ـــــ ريفيرا. ساندرو ماتزولا نجم إنتر ميلانو، وجياني ريفيرا نجم ميلان.
هذه المنافسة استمرت حتى هذه الأيام، ويكفي فقط سرد أرقام مواجهات الفريقين للدلالة على قوة هذا الدربي، الذي يُعَدّ الأهم في العالم بين فريقي المدينة الواحدة؛ إذ في 204 مباريات جمعت الفريقين في مختلف المسابقات، فاز ميلان في 72 مباراة وإنتر في 71 وتعادلا في 62 مباراة. المفارقة الأكبر هي أن كلاً من الفريقين سجل في مرمى الآخر 279 هدفاً.
كل هذا التاريخ سيكون حاضراً في أمسية الأحد في «سان سيرو». مخطئ من يعتقد للحظة أن الكلمة العليا ستكون لميلان باعتباره صاحب الضيافة ومتصدر ترتيب الـ«سيري أ» هذا الموسم. هنا، لا مكان لمثل هذه الاعتبارات. هنا، لا مكان إلا للقتال بشقَّيه: النفسي والفني. قتال تُستخدم فيه كافة أنواع الأسلحة. أسلحة لا مكان للصدأ فيها. المنتصر هو من يقدر على الصمود أكثر.
في واقع الحال، يبدو الارتياح سيّداً للموقف في كلا الجانبين قبل موقعتهما، وإن كان ذلك لسببين مختلفين؛ إذ إن ميلان تنفّس الصعداء بعد رفض نجم هجومه، البرازيلي باتو، الانتقال إلى باريس سان جيرمان الفرنسي. في المقابل، انفرجت أسارير أنصار إنتر بعد شفاء نجم وسط الفريق، الهولندي ويسلي سنايدر، من الإصابة التي أبعدته شهراً، إضافة إلى جهوزية تياغو موتا والبرازيلي مايكون والأوروغوياني دييغو فورلان.
فنياً، لا يُخفى أن الفريقين يعيشان حالة من الانتعاش في الوقت الحالي؛ إذ إن ميلان واصل خطه التصاعدي معتلياً صدارة الترتيب بالتساوي مع يوفنتوس. نقطة قوة «الروسونيري» تتمثل في خط هجومه الأفضل في الـ«سيري أ»، إضافة إلى الثبات في تشكيلته. من هنا، يُنتظر أن لا يطرأ أي تعديل على الأسماء، وخصوصاً في خط الوسط، حيث سيكون الهولندي مارك فان بومل وأنطونيو نوتشيرينو والغاني كيفن برينس بواتنغ متواجدين لكن يبقى معرفة من سيعوّض ألبرتو أكويلاني، الذي سيغيب شهراً، حيث تبدو حظوظ الهولندي كلارنس سيدورف، منطقياً، مرتفعة، استناداً إلى خبرته في الدربي بعدما كان لاعباً في صفوف إنتر سابقاً، وذلك على حساب ماسيمو أمبروزيني.
في المقلب الآخر، تمكّن إنتر ميلانو من استعادة توازنه بعد تسلم كلاوديو رانييري دفّة القيادة بدلاً من جانبييرو غاسبيريني، محققاً 5 انتصارات متتالية، آخرها خماسية في مرمى بارما أوصلته إلى المركز الخامس بفارق 8 نقاط عن غريمه، حيث يعي «النيراتزوري» جيداً أن فوزه سيكون في منتهى الأهمية لدخوله في دائرة المنافسة على اللقب، أما الخسارة فتعني تلاشي آماله بنحو كبير. وهنا، يُنتظر معرفة إن كان سنايدر سيكون أساسياً في التشكيلة وفي حال حدوث ذلك يبدو السؤال المطروح: هل سيعدّل رانييري خطته من 4-4-2 إلى 4-4-1-1، عبر إقحام سنايدر خلف الأرجنتيني دييغو ميليتو لفسح المجال لمشاركة مواطن الأخير وصاحب الأداء المتطور، ريكاردو ألفاريز، في الجناح الأيسر، إلى جانب الأرجنتيني الآخر إستيبان كامبياسو وموتا والأرجنتيني خافيير زانيتي، أم أن سنايدر سيكون صانعاً للألعاب وسيكون جامباولو باتزيني أو فورلان إلى جانب ميليتو في المقدمة؟
على كل الأحوال، السؤال الذي يصعُب معرفة جوابه الآن هو: من سيتجرّع الكأس المرّة من الطرفين؟ ذلك أن ما يمكن تأكيده سلفاً أن المنتصر الأكبر ليلة الأحد سيكون، من دون شك، مُشاهد هذه الملحمة الكروية.



تواضع مدروس

تحاشى مدربا ميلان، ماسيميليانو أليغري، وإنتر ميلانو، كلاوديو رانييري، قبل موقعة فريقيهما، فتح أحدهما النار على الآخر، حيث رأى الأوّل أن المباراة ستكون صعبة على فريقه، فيما رأى الثاني أن إنتر لا يزال بحاجة إلى التطور أكثر، مشيراً إلى أن الضغوط ستكون على ميلان؛ إذ إنه ينافس على اللقب، بعكس فريقه الذي لم يصل إلى تلك المرحلة بعد.