لم يعد الدوري الايطالي مثلما كان ايام زمان، فقد انكفأ امام الشعبية الجارفة التي يزيد من نسبتها يومياً الدوري الإسباني والدوري الإنكليزي. كذلك، لم تعد الفرق الإيطالية الاكثر شعبية مثلما كانت عليه الحال في الماضي البعيد، إذ إن الأسواق العالمية تفسح المساحات لبرشلونة وريال مدريد الإسبانيين، ولمانشستر يونايتد وتشلسي وارسنال ومانشستر سيتي وغيرها من الفرق الإنكليزية. يوماً بعد آخر، يتضح مدى التراجع الذي اصاب الـ «سيري أ» أمام «الليغا» والـ «برميير ليغ»، إذ يمكن لمس الأمر من خلال نسبة المتابعة المرتفعة للمباريات ناحية بطولتي اسبانيا وانكلترا، والمنخفضة ناحية بطولة ايطاليا. أضف إن نسبة الاعلانات تزداد اكثر في ملاعب كبار الدوري الإسباني، إذ يفضّل المعلنون العالميون وضع اعلاناتهم الترويجية في ملاعب تستقطب نسبة مرتفعة من مشاهدي المباريات، وهذا ما بدا واضحاً مثلاً في اكتظاظ ملعبي «سانتياغو برنابيو» الخاص بريال مدريد، «ونو كامب» الخاص ببرشلونة، بلوحات اعلانية تخصّ شركات عربية من القطاعات المختلفة.
كذلك، لا بدّ من الإشارة الى ان العقول التي تدير الحملات التسويقية للأندية وبطولتي اسبانيا وانكلترا، تفوّقت بأشواط على المخطّطين الإيطاليين، فتمكنت من إدخال مبارياتها الى كل بيت، وأجبرت كل متابع صغيراً كان أو كبيراً على شراء قمصانها.
كل هذه الأمور كان لا بدّ لها أن تنعكس سلباً على الدوري الإيطالي، حيث يبدو جليّاً أن الكثير من المباريات تقام بحضور جماهيري خجول، بسبب ارتفاع اسعار بطاقات الدخول الى الملاعب الكبيرة بحجمها، والمحدودة بروادها. هذا العامل اضافة الى كل العوامل الأخرى التي سبقته، أثقلت كاهل الأندية الإيطالية، وجعلت دوريها يبدو أضعف مما كان عليه بأشواط عدة.
طبعاً العامل المادي هو الحجر الأساس في جذب الانتباه الى الدوري الإيطالي وانديته، التي إن هي عاشت في بحبوحة مادية فإنه يمكنها توجيه مسيرة كل نجم عالمي نحو ملاعبها، بعدما خسرت الكثير من افضل لاعبي العالم تباعاً، وذلك في مشهد مغاير عن الماضي البعيد والقريب، إذ إن لاعباً بحجم النجم البرازيلي رونالدو مثلاً، الذي ترك برشلونة للانتقال الى إنتر ميلانو عام 1997، حيث لعب حتى 2002، لن يُقدم على فعلة مماثلة في الوقت الحالي، بل سيختار من دون شك الاتجاه المعاكس إذا كان لاعباً مع إنتر او ميلان، وتلقى عرضاً من احد عملاقي الكرة الإسبانية.
والعامل المادي لم يعد متوافراً بالشكل الذي كان عليه من قبل في خزائن الاندية الإيطالية المتأثرة كثيراً بالأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، فرأينا نادياً بحجم ميلان بطل الدوري المفترض أن يكون قوياً على الصعيد المالي، بفعل نجاحاته في الموسم الماضي، وخوضه مسابقة دوري ابطال اوروبا في الموسم الحالي، لا يستطيع تحمّل عقد المهاجم الارجنتيني كارلوس تيفيز، رغم أن الأخير وافق على تقاضي مبلغ أقل من ذاك الذي كان يحصل عليه في مانشستر سيتي الإنكليزي. وميلان المتسلّح أصلاً بثروة رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلسكوني، لم يكن قادراً على سدّ الثغرة في خط هجومه عبر استقطاب تيفيز، إذ تراجع عن الصفقة لأنه لم يستطع تمويلها عبر بيع أحد أبرز لاعبيه البرازيلي الكسندر باتو الى باريس سان جيرمان.
وهنا يختلف وضع الأندية الإيطالية عنه في اسبانيا وانكلترا، إذ إن المصارف ليست قادرة على منح الأندية قروضاً كبيرة، لفترات طويلة الأمدّ، بغية تأمين حاجاتها في سوق الانتقالات. وهذه الأندية أصلاً مديونة بغالبيتها، وبالتالي فإن عدم تمكنها من مجاراة أقرانها الإسبان والإنكليز في سوق البيع والشراء أثّر في نتائجها، وأفقد البطولة المحلية الجاذبية، التي لم تعد موجودة في طموحات أهم لاعبي العالم.
ومن فضيحة التلاعب بالنتائج «كالتشوبولي» التي هزّت الكرة الإيطالية عام 2006، الى النتائج الخجولة لأندية الـ «سيري أ» على صعيد المسابقتين الأوروبيتين، أي دوري ابطال اوروبا و«يوروبا ليغ»، تفتقد البطولة الإيطالية النجوم المحليين الذين يشدّون الانتباه، إذ لا يزال المخضرمون الذين يخوضون مواسمهم الأخيرة، أمثال كابتن روما فرانشيسكو توتي وكابتن يوفنتوس اليساندرو دل بييرو وزميله أندريا بيرلو، محط ابرز الأحاديث. كذلك برز شحّ في المواهب الصاعدة، التي يفضّل كثير منها البحث عن الأضواء بعيداً من ملاعب ايطاليا، وهذا ما حصل مع ماريو بالوتيللي، الذي ترك في سنٍّ صغيرة إنتر ميلانو بعدما عجز عن رفض اغراءات مانشستر سيتي. والأسوأ أن أجانب الفرق الايطالية هم من صنعوا الإنجازات على الساحة القارية أخيراً، على غرار إنتر ميلانو الفائز بدوري الأبطال عام 2010 من دون وجود تأثير لأي لاعبٍ محلي في الفريق، ما جعل البعض يقول إن الإنجاز الذي تحقق لا يمت الى كرة ايطاليا بصلة، فهو جاء بتخطيط أجنبي (المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو) وبأقدام غريبة.
وفي سياق آخر، توجّه الى الفرق الإيطالية تهمة عدم تقديم أداء ممتع وسريع، بعكس فرق انكلترا مثلاً، ما يظهرها كأنها تتخلف بعشرة اعوام عن أبرز الفرق التي بسطت سيطرتها على العالم الكروي، ما يجعل متابع الدوري الإيطالي ينتقي المباريات التي سيشاهدها خلال الموسم.