عندما وصل البرازيلي كاكا صيف 2009 الى العاصمة الإسبانية، مدريد، لم تكن الفرحة لتسع أنصار ناديها الملكي ريال. استُقبل «الأمير» استقبال الأبطال في ملعب «سانتياغو برنابيو» عند تقديم النادي إيّاه. هتف الجمهور بأعلى صوته حينها: «كاكا، كاكا». كانت الآمال في مدريد معقودة على نحو كبير على الشاب القادم من ميلان الإيطالي، لتعويض النجم الفرنسي زين الدين زيدان، المعتزل قبل 3 سنوات. مدريد كانت لا تزال تعيش على ذكرى «زيزو»، فهذا الأخير ترك أثراً كبيراً في نفوس المدريديين، كان من الصعب أن يزول على نحو سريع. كان لا بد من صانع ألعاب يُنسي (ولا ينتزع من ذاكرة) هؤلاء ما فعله زيدان. لم يحتج رئيس الملكي، فلورنتينو بيريز، الى كبير عناء للبحث عن البديل المناسب. كاكا، ابن العاصمة البرازيلية، برازيليا، كان يزرع سحره في أوروبا كيفما تنقل في ملاعبها. في 2007 قدّم فصولاً كروية أقل ما يقال فيها إنها مذهلة، قاد بها ميلان الى منصة التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا.
بعدها بأشهر أصبح كاكا ملكاً على لاعبي العالم بإحرازه جائزتي أفضل لاعب في العالم، الممنوحة من الاتحاد الدولي لكرة القدم، والكرة الذهبية الممنوحة من مجلة «فرانس فوتبول». شيك قياسي بقيمة 65 مليون يورو كان كافياً لينقل كاكا من مدينة ميلانو الى مدريد.
كاكا أو ريكاردو ايزيكسون دوس سانتوس ليتي، الذي أطلق عليه شقيقه الصغير اللقب الأول لصعوبة لفظه اسم ريكاردو، كان منذ لحظة قدومه يعلم مدى حجم المهمة الملقاة على عاتقه في العاصمة الإسبانية. منذ اللحظة الأولى رفض الشاب الوسيم أن يرتدي القميص الرقم 5، الذي سطّر عبره زيدان إبداعاته، إيماناً منه بأن «زيزو» لا يعوَّض، وبأنه يريد أن يكون كاكا فقط، فاختار الرقم 8.
بيد أن أحلام جمهور الـ «ميرينغز» المعقودة على كاكا مُنيت بخيبة أمل كبيرة. فشل البرازيلي في تقديم ربع ما كان يقدمه مع ميلان. بدا ثقيلاً ومفتقداً الرشاقة، التي اشتهر بها في إيطاليا. كاكا الذي شُبِّه في بلاده بالكبيرَين ريفيلينو وسقراطيس كان يمتاز بقدرته الهائلة على زعزعة أيّ دفاع من خلال مراوغاته المقرونة بالـ «سبرينت» العالي، الذي يصعب إيجاد الحلول له، لكنّ أياً من هذه الخصال لم يستمتع بها جمهور الـ «برنابيو». في الواقع، ثمة سببان وقفا في وجه البرازيلي، أولهما الإصابة التي ما انفكت تطارده، وثانيهما الظروف التي وضعته مع لاعب بحجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي استطاع أن يخطف الأضواء في مدريد.
في العام التالي، اصطدم كاكا، الخارج من فشل مع منتخب بلاده في مونديال 2010، بواقع أصعب، تمثّل في قدوم البرتغالي جوزيه مورينيو برفقة الألماني مسعود أوزيل والأرجنتيني انخيل دي ماريا الى القلعة البيضاء. لم يحتج اوزيل الى وقت طويل ليسحر جمهور الـ «ميرينغز» بإبداعاته، فيما استطاع دي ماريا أن يحجز مكاناً له في وسط الفريق. النتيجة: كاكا أصبح أسيراً لدكة البدلاء. معاناة كبيرة عاشها البرازيلي، استمرت حتى هذا الموسم، تخللها الكثير من الأقاويل، التي تحدثت عن نية النادي الملكي التخلي عن خدماته، وعن وجود خلافات عميقة بينه وبين مدربه، وهذا ما اتضح بالفعل قبل أيام حين كشف الرئيس الأسبق لريال، رامون كالديرون، عن أن مورينيو لم يتحدث مع كاكا طيلة 4 أشهر.
بالفعل عاش كاكا، المعروف عنه خجله وتواضعه الكبيرين، لحظات صعبة وضغطاً نفسياً كبيراً طيلة الفترة الماضية. وصلت الأمور الى ذروتها وكان لا بد من متنفس. أُصيب دي ماريا وابتعد طويلاً عن الملعب، ووقع مورينيو تحت مأزق كبير بعد الهزيمة أمام برشلونة 1-2 في ذهاب ربع نهائي الكأس. أُتيحت الفرصة من جديد أمام كاكا ليعلن عن نفسه.
خرج المارد من قمقمه ليثبت أنه لم ينته بعد، كما اعتقد كثيرون. منذ المباراة أمام اتلتيك بلباو بدأ كاكا يستعيد شيئاً من إبداعاته مع ميلان. في كلاسيكو إياب الكأس امام الغريم كان وجود كاكا مزعجاً للدفاع الكاتالوني. منحت هذه المباراة ثقة كبيرة لكاكا في اللقاء أمام ريال سرقسطة، أول من امس، توّجها بأداء مميز بتسجيله هدفاً جميلاً وصناعته آخر للمبدع اوزيل.
في الواقع، كوّن كاكا واوزيل ثنائياً مميزاً في وسط ملعب ريال مدريد، حيث بدا الانسجام واضحاً بينهما في المباريات الأخيرة، ولا يخفى أن حضور البرازيلي القوي حرر الألماني أكثر، على عكس ما كان يتخوّف منه كثيرون من عدم إمكان الزجّ بهما معاً.
إذاً، الثنائي كاكا ـــــ أوزيل بات حديث المدريديين حالياً. كاكا عاد، وأوزيل استعاد ألقه. ثنائي مذهل، باستطاعته، دون أدنى شك، إذا ما استمر على هذه الحال من التألق، أن يُعيد مدريد الى الريادة المحلية والأوروبية.



أوزيل: كاكا صديقي

أعرب الألماني مسعود أوزيل، لاعب وسط ريال مدريد الإسباني، عن سعادته باللعب إلى جانب البرازيلي كاكا، مشيداً بالفوز الذي حققه الفريق على ريال سرقسطة. ونقلت صحيفة «ماركا» عن أوزيل قوله: «إنه (كاكا) صديقي، وأنا سعيد جداً لأننا متفاهمان، شراكتنا رائعة واليوم (أول من أمس) سجّل كل منا هدفاً».