أعجوبة بكل ما للكلمة من معنى هي تلك التي حملت ميرانديس إلى دور الأربعة في كأس إسبانيا لكرة القدم. فرق الدرجة الأولى فياريال وراسينغ سانتاندر وإسبانيول كانت ضحايا الفريق المغمور الذي لم يسمع به سابقاً كثيرون في إسبانيا حتى، لكنه فرض اسمه على قاموسهم الكروي، وتحوّل الآن من فريقٍ عادي إلى آخر سيحسب له حساب ابتداءً من مباراة الليلة التي سيستضيف خلالها أتلتيك بلباو. وميرانديس الذي تأسس عام 1927، لم يتمكن يوماً من ترك بصمة في الكرة الإسبانية أو الوقوف ندّاً لكبارها، لكن يبدو أن هذا الموسم يعيش أياماً طيّبة فهو يتصدر حالياً الترتيب في مجموعته ضمن الدوري، وبدأ يشد انتباه الكل من خارج منطقة ميراندا دي إيبرو حيث مقر النادي وملعبه «إستاديو أندوفا» الذي يتسع فقط لـ 6000 متفرج.
اليوم يبدو ميرانديس مستمتعاً بالحياة الكروية، واضعاً جانباً المشاكل المالية الكثيرة التي تعانيها الأندية الإسبانية في الدرجات المختلفة، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية القاسية التي ترزح تحتها البلاد. والكلام في إسبانيا عن ميرانديس لم يكن فقط على نجاحاته الفنية الأخيرة، بل على الطريقة الجيدة في العمل الإداري داخل النادي؛ اذ يعمل القيّمون بجدية كبيرة على إبقاء ناديهم في حالة مادية جيدة، رغم إدراكهم أن النتائج التي يمكن أن يحققها لن تحمل إليه بحبوحة مالية.
وأعجوبة الموسم في أوروبا عامةً بدأت عندما أطاح ميرانديس فياريال من كأس إسبانيا، وهي نتيجة عظيمة بغض النظر عن تراجع مستوى فريق «الغواصة الصفراء» الذي مثّل «الليغا» في دوري أبطال أوروبا. وكان «إستاديو أندوفا» مسرح أحلام أبناء المنطقة الصغيرة الذين يؤدون دوراً كبيراً في شحذ همة لاعبيهم في ذاك الملعب الصغير.
واستمرت الاحتفالات على حساب راسينغ سانتاندر وإسبانيول الذي صُدم فعلاً؛ لأنه يقف بين نخبة فرق «الليغا» هذا الموسم ويحتل المركز الخامس على لائحة الترتيب العام؛ فالفريق الذي عرقل برشلونة سقط أمام خصمٍ مغمور بعد هدفٍ قاتل لسيزار كانيدا. إلا أن بطل اللقاء الذي أُقيم الثلاثاء الماضي، لم يكن هو الاسم الكبير في الفريق، بل ذاك الشخص الذي يراه أبناء المنطقة مرتدياً بزّة رسمية ومتجهاً إلى عمله واسمه بابلو إينفانتي. هذا الرجل البالغ من العمر 31 سنة هو موظف مصرفي، لكن يبدو أنه يجيد الحسابات الكروية أيضاً، حتى أصبح رصيده التهديفي في كأس الملك أفضل من نجم برشلونة الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي سجل ستة أهداف مقابل سبعة لكابتن ميرانديس.
قصة إينفانتي تشبه كثيراً قصة فريقه، وذلك من زاوية سعيه إلى المجد في موازاة انغماسه بمشاكل الحياة، فلاعب الوسط المقاتل قضى مسيرته متنقلاً بين أندية في الدرجة الثالثة. لكن من دون شك، إن أداءه في كأس الملك حمله إلى مرحلة أخرى، ما أثار أسئلة المحللين الإسبان عما إذا ما كان يستطيع التعامل مع مدافعي الفرق الأقوى من خلال المهارات التي أظهرها في المواجهات الثلاث الأهم لميرانديس هذا الموسم.
واللافت أن إينفانتي لا يفكّر في مسيرة احترافية تحت الأضواء الساطعة في الدرجة الأولى مثلاً، فهو لا يزال يعيش حياته الطبيعية عبر ذهابه باكراً إلى العمل في المصرف يومياً حيث تجمهر الصحافيون في انتظاره في اليوم التالي للفوز على إسبانيول، وهو الذي لم يحتفل حتى ساعات متأخرة من الليل لأجل أن يتمكن من النهوض باكراً!
فعلاً إينفانتي هو رجل المرحلة الآن، وعناق رفاقه له بعد كل هدف يدلّ على مدى شعورهم بأهميته داخل المجموعة رغم أنه شدّد في حديثه إلى وسائل الإعلام: «إنه أمر رائع، ركضنا كلنا، قاتلنا كلنا، وعملنا كلنا بجهد غير طبيعي».
رجل آخر ساهم كثيراً في صناعة الأعجوبة، هو المدرب كارلوس بوسو الذي رآه الجميع ملوّحاً إلى لاعبيه مطالباً إياهم بالتحلي بشجاعة كبيرة ومهاجمة إسبانيول بعد تقدّمه عليهم، فكانت النتيجة هدف التعادل الذي جاء سريعاً وأعطى الدافع الأكبر للإنجاز الكبير، الذي قد يحمل حلقة أخرى قريباً.



ميرانديس لن يتوقف

يبدو أن طموحات مدرب ميرانديس كارلوس بوسو، لا حدود لها؛ فهو علّق على إنجازات فريقه بالقول: «انظروا إلينا كيف نلعب ونقف بين أفضل أربعة فرق في كأس إسبانيا. نحن فريق صغير أصبح كبيراً». وختم: «لا، لن نتوقف».