عندما وصل كريم بنزيما الى العاصمة الإسبانية مدريد في صيف 2009، كان الكل هناك يبحث عن خليفة للبرازيلي رونالدو. وقع الاختيار على المهاجم الفرنسي ذي الأصول الجزائرية لا لتسريحة شعره ومواصفاته الجسمانية القريبة من الـ «ظاهرة»، بل لأن بنزيما كان يسطّر إبداعات مع فريقه ليون في الدوري الفرنسي. إبداعات كان بعضها على حساب النادي الملكي في مواجهات الأخير العديدة مع ليون في دوري أبطال أوروبا. إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن المدريديين في الموسم الأول لبنزيما في القلعة البيضاء. بدا كريم بعيداً كل البعد عن ذاك المهاجم الذي أرعب اكبر الحراس وقضّ مضاجعهم. افتقد الفرنسي الرشاقة والخفة والمهارات التي اتسم بها أداؤه مع ليون. بدا الى حدّ كبير ثقيلاً وأصغر من حجم فريق كريال مدريد. قيل وقتها في العاصمة إن مبلغ الـ 35 مليون يورو الذي دُفع لاستقدامه ذهب هباءً منثوراً.
في موسم 2010ـــــ2011 خرج المدرب التشيلياني مانويل بيلليغريني من قلعة «سانتياغو برنابيو» وبدأ عهد البرتغالي جوزيه مورينيو. أراد بنزيما منذ البداية أن يكسب ثقة «الداهية». لم يتردد الفرنسي في انطلاق الموسم في التصريح بأن هدفه هو «التسجيل في كل مباراة».
إلا أن البرتغالي كان من أنصار المهاجم الأرجنتيني غونزالو هيغواين، والنتيجة: بنزيما أسيراً لدكة البدلاء. لم يطل هذا الواقع كثيراً، إذ إن هيغواين تعرض لإصابة أبعدته عن الملاعب فجاءت الفرصة على طبق من ذهب لبنزيما الذي استغلها وسجل 19 هدفاً في 25 مباراة خاضها حتى عودة هيغواين. لم تشفع للفرنسي أهدافه هذه، إذ وجد نفسه مرة جديدة أسيراً لدكة البدلاء. تردد وقتها أن ثمة خللاً في العلاقة بين «مو» ومهاجمه هي السبب في تفضيل الأخير لهيغواين. قيل إن الثقة مفقودة بين الطرفين.
ورغم أن بنزيما أنهى ذاك الموسم كثاني هدافي الفريق خلف البرتغالي كريستيانو رونالدو بتسجيله 26 هدفاً بينها 6 في 8 مباريات في دوري أبطال أوروبا، وكان أفضل هداف مع ريال في الإعداد لموسم 2011-2012 إلا أنه لم يستطع حجز مكان أساسي له. قرر مورينيو اعتماد مبدأ المداورة بين بنزيما وهيغواين.
انطلاقة هذا الموسم كانت قوية من كلا المهاجمين. تبيّن عندها أن قرار المداورة الذي اعتمده «مو» كان صائباً، حيث بذل بنزيما وهيغواين المستطاع لنيل ثقة المدرب. هنا، بانت موهبة الفرنسي على نحو أوضح، إذ إضافة الى مهاراته التهديفية العالية من كافة المواقع، وبكلتا القدمين، أثبت بنزيما أيضاً أن باستطاعته إفادة الفريق من خلال إجادته صناعة الأهداف لزملائه، كما بدا الانسجام واضحاً بينه وبين رونالدو والألماني مسعود أوزيل. النتيجة: كسب بنزيما السباق الذي وضعه فيه «الداهية» مع هيغواين، الذي كان سبباً رئيساً في تفجّر موهبته على غرار ما كان عليه الأمر مع ليون، وأصبح المهاجم الأساسي في أكثر المباريات. بدأ اسم بنزيما يحتل عناوين الصحف الصادرة في مدريد. راحت هذه الأخيرة تتحرى عن سبب تألق الفرنسي، وخصوصاً بعد ليلة إياب ربع نهائي كأس الملك أمام برشلونة، حيث فعل بنزيما كل شيء فور نزوله في الشوط الثاني، وتوج أداءه المميز بهدف رائع عندما تخطى كارليس بويول ببراعة وزرع الكرة «على الطاير» في مرمى النادي الكاتالوني. صحيفة «ماركا» ذهبت الى أن السبب وراء استعادة بنزيما لمستواه يتمثل في قيامه بتقليص وزنه ونسبة الدهون في جسده، وهذا ما أتاح له ليونة أكبر بدت واضحة في الآونة الأخيرة.
وفي موازاة ذلك، ثمة من بدأ يهمس بأن السر وراء بروز نجم بنزيما من جديد هو وقوف مواطنه «الأسطورة» زين الدين زيدان خلفه، حيث عمل هذا الأخير على مده بجرعات كبيرة من المعنويات في الأوقات المناسبة.
أول من أمس، وفي المباراة أمام راسينغ سانتاندر واصل بنزيما مسلسل تألقه، حيث سجل هدفين رافعاً رصيده الى 13هدفاً في «الليغا»، إضافة الى صناعته 5 أهداف لزملائه، وهو رقم جيد بالنسبة الى مهاجم.
بالفعل، يبدو بنزيما في الوقت الحالي في كامل تألقه وتوهجه. هذا التوهج جعل له مكانة خاصة في قلوب المدريديين. الكل هناك يشيد بمهاراته. مدريد فرحة ببنزيما، أما في باريس، فثمة ابتسامة لا تفارق محيا الرجل الأهم، أي مدرب منتخب فرنسا لوران بلان، فلا شك في أنه مسرور جداً لحال مهاجمه القادم بقوة الى نهائيات كأس أوروبا في الصيف المقبل.



لاعب متعدد المواهب

رأى اميليو بوتراغوينيو، مهاجم ريال مدريد سابقاً، أن كريم بنزيما هو أحد أهم اللاعبين في النادي الملكي في الوقت الحالي. وقال الهداف السابق لمجلة «ليكيب» الرياضية الفرنسية: «إنه (بنزيما) أحد أهم اللاعبين، وإن لم يكن كذلك فهو أهم لاعب في الفريق في الوقت الحالي. إنه ليس فقط هدّاف، إنه لاعب متعدد المواهب».