شتّان ما بين نهاية 2011 وبداية 2012 بالنسبة الى بايرن ميونيخ، إذ إن الفريق البافاري سطّر بداية رائعة في «البوندسليغا» هذا الموسم، جعلت الجميع يعتقد أنه سيسير براحة تامة نحو استعادة درع الدوري من غريمه القديم بوروسيا دورتموند، لكن سرعان ما تبدّلت الأمور، وبات الفريق عادياً جداً في السنة الجديدة، إذ باعتراف مدربه يوب هاينكيس لم يقدّم رجاله أداءً مقبولاً في المباريات الأخيرة، لذا فإن الانتقادات كانت مبرّرة.
ورغم وعود هاينكيس بأن بايرن سينتفض في المباراة أمام بازل السويسري (0-1) في مسابقة دوري أبطال أوروبا، فإن هذا الأمر لم يحصل بل كان أداء الفريق مشابهاً كثيراً لذاك الذي عرفه السبت الماضي في الدوري المحلي امام فرايبورغ، حيث أهدر نقطتين، فابتعد بالتالي بفارق أربع نقاط عن دورتموند، لا بل كان الأسوأ تنازله عن المركز الثاني لمصلحة بوروسيا مونشنغلادباخ، وهو قد يتراجع مركزاً آخر إذا سقط أمام شالكه غداً.
سوء أداء بايرن يُختصر في نقاط قليلة، فالفريق افتقد الخطورة الهجومية أخيراً وعملية البناء من خط الوسط غير منظّمة إطلاقاً، أضف إن خط الظهر بدا مكشوفاً بفعل الضياع في منتصف الملعب، وعدم كفاية لاعبي الوسط في القيام بمجهود دفاعي وهجومي في آن واحد. كل هذه الأسباب تأخذ المتابع الى مكان واحد هو العيادة الطبية لبايرن ميونيخ، حيث يلعب باستيان شفاينشتايغر، فغياب «العقل المفكّر» لبايرن كان السبب الرئيس وراء تقهقر مستوى الفريق، ما دفع هاينكيس الى الاعتراف بالأمر عبر قوله إن «شفايني» هو بنفس صف أهم لاعبي الوسط في العالم، وتحديداً ثنائي برشلونة الإسباني شافي هرنانديز وأندريس إينييستا.
أحسن هاينكيس مجدداً في تحليله للوضع، إذ إن بايرن ميونيخ لا يكون الفريق نفسه عندما يغيب شفاينشتايغر عن صفوفه، وقد ظهر هذا الأمر في مرحلة أولى، بعدما أصيب الأخير بكتفه في المباراة أمام نابولي الإيطالي في تشرين الثاني الماضي، ثم في مرحلة ثانية إثر إصابته في كاحله بعدما سجل عودته في أربع مباريات فقط.
في غياب القائد الموجّه شفاينشتايغر لا يركض لاعبو الوسط كفاية، وهم يخسرون معظم الصراعات الثنائية، إذ صحيح أن نسبة استحواذ الفريق البافاري على الكرة فاقت خصومه في المباراتين الأخيرتين (كانت حوالى 70% مثلاً امام فرايبورغ)، بيد أن غالبية التمريرات كانت في ملعبهم، كأن الفريق لا يملك الجرأة والقدرة على ابتكار شيء ما في لحظات حاسمة من المباراة. وهذه المعضلة لم تكن موجودة قبل أسابيع قليلة، وتحديداً في المباراتين الأخيرتين اللتين لعبهما شفاينشتايغر أمام كايزرسلاوترن وشتوتغارت، حيث كان خط الوسط متحكماً في الملعب كلّه.
الحقيقة أنه الى جانب غياب «شفايني»، طفت نقطة سلبية أخرى من تشكيلة بايرن، قد تكلّفه غالياً في مواجهة فريق عنيد مثل شالكه، إذ إن الإصرار لم يكن موجوداً أمام بازل، كأن بعض اللاعبين لا يستمتعون بما يفعلونه، وبينهم من كان يسمّى الورقة الرابحة أي توماس مولر، واضافة الى طوني كروس والفرنسي فرانك ريبيري، غير الراضي عن كيفية تعامل رفاقه معه، من حيث عدم تشغيله على نحو كافٍ على الجناح الأيسر.
أما النمسوي اليافع دافيد ألابا، والأوكراني أناتولي تيموتشوك (وقبله البرازيلي لويز غوستافو) اللذين لعبا في مركز الوسط ـــــ المدافع، فهما لم يعرفا كيفية وصل الخط الخلفي بنظيره في المقدمة، فضلاً عن عدم تناغمهما مع بقية أفراد التشكيلة، وعدم قدرة أيّ منهما على فرض هيبته أمام الخصوم المقاتلين.
كل هذا يعيدنا الى مدى الأذى الذي خلّفه غياب شفاينشتايغر، الذي يتميّز عن بقية لاعبي الوسط في الفريق بأنه يملك شجاعة الانغماس في العمليات الهجومية، وعدم الاكتفاء بالبقاء في عمق الوسط أي في مركز متأخر أمام لاعبي خط الظهر، وهي مسألة حاسمة عندما يجري إغلاق المنافذ أمام لاعبي الأجنحة، إذ يكون الفريق بحاجة الى لاعب وسط يتمتع بعقلية هجومية مترافقة مع تسديدات دقيقة، وهي الميزة الموجودة عند «شفايني» دون سواه في بايرن.
فعلاً لا يلام هاينكيس أبداً على ما حصل فهو جرّب الكل في مركز شفاينشتايغر من دون أن يجلب له أحدهم الترياق المطلوب، لحصد الانتصارات من دون معاناة. هذه المعاناة ستتحول الى مأساة طبعاً في حال عدم قدرة بايرن على الفوز بلقب الدوري، وتحقيق حلم خوض نهائي دوري الأبطال على ملعبه «أليانز أرينا» في أيار المقبل.