استغراب كبير ظهر عند كثيرين عندما تردد اسم المدرب الارجنتيني مارتشيلو بييلسا للاشراف على برشلونة بطل اسبانيا واوروبا في حال رحيل جوسيب غوارديولا عن منصبه. لكن «عندما عرف السبب، بطُل العجب»، اذ ان بييلسا الذي وُصف دائماً في الارجنتين بأنه من اذكى المدربين الذين عرفتهم البلاد، أكد انه يمكنه نقل اي فريق الى مرحلة اعلى في اللعبة بفضل العبقرية الاستثنائية التي يستخدمها في عمله حيث ينقسم البعض بين مؤيدٍ ومعارضٍ له.
هو مدرب عاطفي يقول انه يموت يومياً ويعاني لأيام عدة عند كل خسارة يتلقاها فريقه. هو مدرب يعشق التحدي فيختار الفرق والمنتخبات العادية لتطبيق مفاهيمه الكروية والنجاح معها. هو مدرب قاسٍ على لاعبيه وعاطفي خارج الملعب، ومزاجي مع الاعلاميين حيث يرفض اعطاء المقابلات الحصرية ايماناً منه بأن كل وسيلة اعلامية كبيرة كانت او صغيرة يفترض ان تستحوذ على نفس الاهتمام، لذا لا يواجه الصحافيين سوى في المؤتمرات الصحافية. هو ذاك الرجل الذي تراه يصرخ بهستيريا خلال المباريات فأطلق عليه لقب «إل لوكو» أي المجنون بالاسبانية.
الا ان جنون هذا الرجل هو عبقرية بحدّ ذاتها، وكان في الطريقة التي اقصى من خلالها فريقه اتلتيك بلباو نظيره العملاق مانشستر يونايتد الانكليزي من «يوروبا ليغ» بصمات واضحة لبييلسا. ففي مواجهة وصيف بطل مسابقة دوري ابطال اوروبا للموسم الماضي، كان رجال بييلسا صورة طبق الاصل عنه، اذ اصيبوا بهستيريا ملاحقة «الشياطين الحمر» والانقضاض عليهم لانتزاع الكرة ثم الانطلاق بها بهجمة مرتدة للوصول الى الشباك. هو الاسلوب الذي يحبه بييلسا اي الهجوم ثم الهجوم فالهجوم، وهو الاسلوب الذي زرعه في تشكيلة منتخب تشيلي خلال نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب افريقيا حيث كسب احترام الجميع.
اللافت ان رجال بييلسا صوّبوا بين خشبات مرمى حارس مانشستر يونايتد الاسباني دافيد دي خيا 21 مرة فأظهروا جرأة قلّ نظيرها في مواجهة فريقٍ كبير ليظهّروا الاداء نفسه الذي طبع مستوى كل الفرق والمنتخبات التي اشرف عليها «إل لوكو» منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
صحيح ان بييلسا لم يحظَ بشهرة واسعة مثل تلك التي تحيط بغوارديولا او بالبرتغالي جوزيه مورينيو مدرب ريال مدريد حالياً، وهو امر غريب لانه كان ناجحاً في مهماته، فهو عندما استلم تدريب فريقه الأم نيولز أولد بويز الذي لعب معه حتى سن الـ 25 حيث اعلن اعتزاله مركزاً على مسيرة تدريبية، تمكن من الفوز بـ«أبرتورا» و«كلاوسورا» الدوري الارجنتيني، اضافة الى بلوغه نهائي كأس ليبرتادوريس عام 1992 حيث سقط امام الفريق الرهيب عامذاك اي ساو باولو البرازيلي الذي اشرف عليه الشهير تيليه سانتانا وضم لاعبين امثال راي وكافو ومولر وزيتي وغيرهم. إنجاز كان كافياً ليخلّد ابن مدينة روساريو في سجلات نيولز أولد بويز فأطلق اسمه (إستاديو مارتشيلو بييلسا) على ملعب الاخير عام 2010.
الدليل على الثقة الارجنتينية بـ«المجنون» ظهرت مطلع الالفية الجديدة، اذ بعد قيادته المنتخب الوطني الى نهائيات كأس العالم 2002 على رأس مجموعة التصفيات في اميركا الجنوبية، فانه واجه الخروج الصادم من الدور الاول، وهي نتيجة كانت كافية لاقصاء اي مدرب، وخصوصاً ان منتخبه ضم عامذاك لاعبين من طراز غابريال باتيستوتا وأرييل أورتيغا وخافيير زانيتي وخوان سيباستيان فيرون ودييغو سيميوني وهيرنان كريسبو وحتى النجم القديم كلاوديو كانيجيا. الا ان المفاجأة كانت تجديد الاتحاد الارجنتيني الثقة به لقيادة المنتخب في كوبا أميركا 2004 حيث لم يتمكن من غنم اللقب رغم بلوغه النهائي.
لكن الثالثة كانت ثابته بالنسبة الى بييلسا، اذ زُيّنت اعناق الارجنتينيين بالميدالية الذهبية في الالعاب الاولمبية عام 2004، وهي نتيجة كانت كافية ليضمن عقداً جديداً لسنوات طويلة، الا انه استقال بشكلٍ مفاجئ في السنة عينها تاركاً مكانه لخوسيه بيكرمان الذي قاد «التانغو» في مونديال 2006 في المانيا.
وقبل الوصول الى أتلتيك بلباو حيث لم يجد مشكلة في تدريب فريقٍ لا يضم اي لاعب اجنبي ليحقق المطلوب، كانت القصة الجميلة مع تشيلي في مونديال 2010 الذي بمجرد تأهله اليه اصبح بطلاً قومياً في بلاد مارتشيلو سالاس وإيفان زامورانو.
يدخل أتلتيك بلباو نهاية الاسبوع لمواجهة فالنسيا في مباراة قوية ضمن سعيه للتأهل الى دوري الابطال. مهمة لن تكون صعبة فرجال بييلسا حفظوا فلسفته، اذ يقول دائماً: «ليس هناك اي عذر للخروج الى الملعب وعدم الفوز. تحقيق النصر هو شيء مفروض في كل مباراة».



الأفضل في العالم

أشاد مدرب برشلونة جوسيب غوارديولا أمس بنظيره مارتشيلو بييلسا، قائلاً إن الأرجنتيني «هو أفضل مدرب في العالم». وأضاف: «نحن محظوظون لوجوده بيننا في الدوري الإسباني، حيث يمكننا التعلم منه». وتابع: «ما فعله بلباو مع بييلسا كان رائعاً، وتأهله الى الدور ربع النهائي في «يوروبا ليغ» هو نعمة للّعبة».