لا يمكن المرور على عطلة نهاية الاسبوع في البطولات الاوروبية الوطنية في كرة القدم دون التوقف عند فريق اسمه بوروسيا دورتموند المتوج بلقب كأس المانيا بفوزه الكبير على بايرن ميونيخ 5-2، ليضمه بذلك الى لقب الدوري المحلي الذي حققه قبل ايام. وبالرغم من ان دورتموند لا يمتلك النجوم من الفئة الاولى الا انه استطاع ان يستحوذ على اللقبين المحليين بأفضل طريقة ممكنة وهي قهر بايرن ميونيخ.
للمرة الاولى في تاريخه جمع دورتموند ثنائية الدوري والكأس، وللمرة الاولى منذ 16 عاماً فشل بايرن في تحقيق لقب الـ«بوندسليغا» لعامين متتالين، وللمرة الاولى تمكن فريق الا وهو دورتموند من اسقاط البافاري في خمس مباريات متتالية بواقع فوزين في الدوري الموسم الماضي ومثلهما هذا الموسم اضافة الى الفوز في نهائي الكأس.
مذهل هذا الـ«دورتموند» بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. من شاهد تتويج الفريق الاصفر بالدوري الموسم الماضي كان لا يزال مشككاً بقدرة دورتموند على الصمود في وجه بايرن هذا الموسم. هذه الشكوك تعززت في بداية الموسم الحالي مع نتائج الفريق المتذبذبة، لكن رجال المدرب الفذ، يورغن كلوب، تحدوا الجميع واظهروا بأنهم ليسوا «فلتة شوط» اطلاقاً. هذا التحدي بدا جلياً في مباراة السبت. اذ ان نهائي الكأس لخّص مسيرة دورتموند في مجمل هذا الموسم: لاعبون يتحلون بالشجاعة والعزيمة والقتالية على ارض الميدان اضافة الى تقديم الكرة الجميلة والانسجام الواضح في الاداء. لا يمكن تخيّل ما فعله دورتموند ليلة السبت ببايرن. قد تكون النتيجة وحدها كفيلة بشرح ما حصل لكن هذه النتيجة كانت مقرونة بأداء اقل ما يقال فيه انه باهر، مدهش، بالغ الروعة. لاعبون شباب لا يكلون ولا يملون من الجري والقتال على كل كرة وايصالها بالشكل المطلوب، لا يفرق ان كانت الكرة بحوزة ماتس هاملس او مارسيل شميلزر او الصربي نيفين سوبوتيش في الدفاع، فالكل يعرف وظيفته ويتقنها بامتياز. اما عن خط الوسط فهنا «بيت القصيد»: الياباني شينجي كاغاوا صاحب «العين الثاقبة» و«القدم الفتاكة» اما إلكاي غوندوغان فهو «الجندي المجهول»، وفي الهجوم البولوني روبرت ليفاندوفسكي «الماكينة التهديفية» التي لا ترحم الخصوم. لاعبون برهنوا عن مقدراتهم العالية الى جانب زملائهم الآخرين. لاعبون يحفظون بعضهم عن ظهر قلب. لاعبون يمتّعون الناظر والمشاهد، تكفي اللمحة الفنية في الدقيقة 67 امام بايرن حين تناقلوا الكرة من الدفاع الى الهجوم ببراعة فائقة للدلالة على هذا الامر.
كل هذا والنجم الصاعد ماريو غوتزه مبتعد عن الفريق بسبب الاصابة. كل هذا والفريق بانتظاره لاعب «قنبلة» في الموسم القادم هو ماركو رويس. بالفعل، استطاع دورتموند قلب المعادلات في المانيا رأساً على عقب. وصل الفريق الى مرحلة باتت مزعجة الى أقصى الحدود لبايرن ميونيخ وانصاره وهذا ما سيعاني منه البافاريون، على ما هو واضح ونظراً لصغر سن لاعبي دورتموند، في المواسم القادمة. غير ان الفائدة الكبرى ستعود، بكافة المقاييس، الى الدوري الالماني، اذ ان المنافسة التي فرضها دورتموند ستزيد، دون ادنى شك، من متعة الـ «بوندسليغا» ومن مكانتها اوروبياً، بعد ان اعتبر كثيرون بأن بايرن ميونيخ فارض لسيطرته المطلقة في المانيا وهو إن فقد اللقب فقادر على التعويض في الموسم التالي، وهذه المعادلة التي تمكن دورتموند من اطاحتها تماماً.