القميص هو الوسيلة الأسهل للارتباط بمنتخبكم المفضّل خلال أي بطولة عالمية. مسألة الحصول عليه سهلة جداً، لكن الدلالات التي يختزنها لا تبدو واضحة بالنسبة إلى كثيرين ممن يرتدونه، رغم شعورهم بأنهم أقرب إلى اللاعبين من خلال الظهور على شاكلتهم، ولو في المدرجات. وهذا الشغف الذي تحوّل موضة عند بعض الساعين إلى شراء أي قميص جديد يطرح في الأسواق، تلقفته الشركات المصنّعة، فأخذت على عاتقها مهمة تسويقه بأفضل طريقة ممكنة عبر الاستعانة بنجوم اللعبة الذين يتقاضون أموالاً باهظة للقيام بهذا الدور، لكن وسط إدراك الشركات أنها ستحصل على مردودٍ أكبر من خلال ارتفاع معدل البيع.
من هنا، زادت المنافسة بين الشركات المصنّعة للتجهيزات الرياضية للحصول على الشعبية الأكبر من خلال رعايتها لأكبر عددٍ من المنتخبات، وخصوصاً تلك الكبيرة منها، حيث تمثّل البطولات الكبرى، على غرار كأس أوروبا، مناسبة لجذب الأنظار أكثر إليها وإلى بضائعها.
من هذا المنطلق، تكلمت الأرقام عقب نهاية كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا؛ إذ تمكنت شركة «أديداس» الألمانية من رفع عائدات بيعها تلك السنة إلى ملياري دولار عبر ارتداء 12 منتخباً لماركتها ضمن نزالها الأبدي مع «نايكي» التي جهّزت 10 منتخبات عامذاك. واللافت أن «أديداس» باعت نحو 6 ملايين قميص أكثرها لمنتخبات ألمانيا والأرجنتين والمكسيك والدولة المنظمة للمونديال، ما يعني أنها عوّضت بسهولة مبلغ الـ 125 مليون دولار الذي تدفعه للاتحاد الدولي لكرة القدم سنوياً لتكون الراعي الرسمي لبطولاته.
ومع بلوغنا عتبة البطولة الأوروبية، يتوقع أن يرتفع بيع القمصان إلى أعلى معدلاته، بعدما ثبت هذا الأمر بين بطولة عالمية وأخرى في الألفية الجديدة، لكن معدل بيع قميص أكثر من غيره يرتكز على مدى شعبية المنتخب وعدد سكان بلاده، إضافة إلى نتائجه خلال البطولة، ومن دون نسيان شكل القميص وجاذبيته.
من هذه النقطة، يمكن الانتقال بالحديث من الشق الاقتصادي إلى الشق الوطني؛ إذ لا يفترض إغفال أن قميص المنتخب هو جزء أساسي من الحياة الكروية للمشجعين، لذا يمكن التأكيد أن حمل القميص لألوان علم البلاد يحرّك الحسّ الوطني لدى الجماهير ويثير الحماسة لديها لشرائه، ولو أن هذه المسألة تجاهلتها منتخبات عدة منذ زمنٍ بعيد حاملة ألواناً وطنية تعنيها من زاوية أخرى، فسارت على درب الكلاسيكية، مستندة بالتالي إلى نتائجها الفنية لحصد الأموال في الأسواق، أمثال منتخب ألمانيا وإيطاليا وهولندا التي لا يلوّن أي منها قمصانه بعلم بلاده.
لذا، تفنّنت كلٌّ من شركات تصنيع القمصان في تصاميمها هذه السنة، محاولة ترجمة الارتباط بين سكان كل بلدٍ وقميص منتخب بلاده بحسب ثقافة كل شعب وعشقه لوطنيته، فرأينا «نايكي» مثلاً تقدّم قميصاً للمنتخب البولوني يمثّل ببساطة علم بلاده. وحذت حذوها «أديداس» ناحية المنتخب الروسي دون سواه من المنتخبات التي سترتدي ماركتها، بحيث اخترق علم البلاد المثلّث الألوان القميصين الأحمر والأبيض.
كذلك، ضربت «أديداس» على الوتر الوطني من خلال تحريك مشاعر ذكريات الأمجاد السابقة، فرأينا قميص منتخب ألمانيا الأخضر يعود إلى الساحة بعدما كانت الألوان الرديفة لـ«المانشافت» الأسود في مونديال 2010. واللون الأخضر هو ببساطة الذي ارتداه أبطال أوروبا عام 1972. والفكرة عينها طُبّقت نسبياً في حياكة قميص الدنمارك الذي استمدته الشركة المصنّعة من نظيره التاريخي الذي ارتداه أبطال ذاك الإنجاز الأسطوري عام 1992.
وانسحاباً إلى الشق الاجتماعي المتعلّق بقمصان المنتخبات، برز مشروع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الداعي إلى تبادل القمصان لإظهار الاحترام للمنافس وكإشارة إلى قبوله. «يويفا» الذي أطلق حملة بهذا الخصوص عبر سفراء، من لاعبين ومدربين وحكام سابقين وحاليين، لم يربطها بأولئك الذين سيؤدون على أرض الملعب فقط، بل بالمشجعين أيضاً، ما يجعل الوحدة الأوروبية أقرب من أي وقتٍ مضى ويخفف من وطأة الكراهية المتبادلة بين بعض الجماهير التي حملتها منذ الماضي الغابر.
وحتى نهاية البطولة الأوروبية حيث سيعرف الفائز في هذا المجال، سيكون جنود الميدان هم من سيزيدون من بريق أي قميص ويرفعون من أهميته وقيمته ومعدلات بيعه، وذلك عبر لمحاتهم الكروية وأهدافهم الصارخة.



هواية وهوس


يخصّص بعض اللاعبين أمثال النجم الإنكليزي ديفيد بيكام غرفاً في منازلهم لجمع القمصان التي يتبادلونها مع منافسيهم خلال المباريات، في خطوة لافتة تدلّ على هواية نادرة. لكن بعض المشجعين، على غرار الكرواتي جوسيب كوفاتشيفيتش (الصورة)، حوّل هذه الهواية إلى هوسٍ؛ إذ دأب هذا الرجل منذ عام 1995 على شراء قمصان ارتداها لاعبون بغية جمعها، وقد وصل عددها لديه إلى 200 قميص، وهو يشير إلى أن قيمة هذه القمصان التي تعود إلى منتخبات وأندية مختلفة تساوي 30 ألف يورو.