«وصول منتخبي الى نهائي كأس أوروبا يمثل نقطة الضوء في ظلام الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها البلاد»، هذا ما قاله قائد المنتخب الإسباني الحارس إيكر كاسياس بعد تأهّل إسبانيا الى نهائي كأس أوروبا 2012. أداء منتخب «لا فوريا روخا» منذ عام 2008، حيث أحرز اللقب القاري، كان دائماً محط إعجاب محللي كرة القدم وجماهيرها، إلا أن الأمر اختلف هذه المرة حيث أصبح المنتخب محطّ انتقادات عدة، إلى درجة وصف فيها بالممل. ويبدو أن أحد أهم الأسباب التي أدت الى وصول المنتخب إلى هذه الحالة وعدم تقديمه أداءه القوي جداً والمبدع، إلا في لقطات قليلة، هو الحمل الثقيل الملقى على أكتاف المنتخب ككل، من الجهاز الفني الى المدرب، وصولاً الى اللاعبين. وهذا الحمل هو نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد والتي أدت الى ارتفاع نسبة البطالة وخاصة بين الشباب، وحاجة المصارف الى الإنقاذ، إضافة الى حاجة الدولة الى خطة إنقاذ مالي.
ويرى خبير الاجتماع الرياضي في جامعة فالنسيا، رامون يوبيس غويغ، أن الأزمة المالية والاقتصادية التي تشهدها إسبانيا جعلت الجميع يتحدثون فقط عنها، واختلط هذا الحديث بكأس أوروبا ومشوار المنتخب الإسباني فيها، ما أدى إلى ربطهما معاً. وفي رأيه، فإن كرة القدم أصبحت مرآة المجتمع الإسباني حيث أصبحت قوة المجتمع في كرة القدم والرياضة عموماً، كما هي حال الوضع الاقتصادي.
من هنا، أصبح المنتخب الإسباني بصيص الأمل الوحيد للشعب، والوحيد القادر على رسم البسمة على محياهم، حيث تطلع رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي الذي حضر المباراة الأولى لمنتخبه أمام إيطاليا، إلى أن يجلب المنتخب البهجة في هذه الأوقات العصيبة. كل هذا الضغط، ربما جعل المدرب واللاعبين يتعاطون بشكلٍ واقعي جداً مع كل مباراة وعدم المخاطرة، ساعين الى الفوز فقط، وليس إلى الإمتاع. ورغم محاولة المدرب فيسنتي دل بوسكي الابتعاد عن هذه الضغوط، إلا أن الأمور ليست تحت سيطرته، وذلك بعدما ذكرت صحيفة ألمانية مؤخراً أن دل بوسكي هو الشخصية العامة الوحيدة التي تحظى حالياً بالتقدير والاحترام في إسبانيا التي تعاني من الأزمة، وذلك لأن الكثيرين من الإسبان في أشد الحاجة إلى الحصول على دفعة معنوية كبيرة عن طريق فوز منتخب بلادهم بالـ«يورو»، فبات هذا الرجل مطالباً بتحقيق الإنجاز.
استطلاع رأي قامت به شركة «أن سي ريبورت» الإسبانية، تم نشره في صحيفة «لا رازون» المدريدية، أظهر أن ما يقارب 80% من الإسبان يرغبون في أن يصنع كاسياس ورفاقه التاريخ، وأن يصبحوا أول منتخب يفوز بثلاث بطولات كبرى متتالية بعد كأس أوروبا عام 2008 وكأس العالم 2010. إلا أن الاستطلاع أوضح أيضاً أن الإسبان خائفون من الأزمة الاقتصادية، حيث إن 76% منهم يفضلون أن تنتهي الأزمة على الفوز بالبطولة. وأظهر «أن سي ريبورت» أيضاً أن 87% من الإسبان معجبون بطريقة أداء لعب رجال دل بوسكي، ويتفق 74% على أن المنتخب هو من الأفضل في التاريخ. وطبقاً للاستطلاع، يُعتقد أن أكثر من نصف الإسبان يرون أنهم سوف يحققون النصر، فضلاً عن أن ما يقارب 78% منهم يعتقدون أن البطولة سوف تساعد على تحسين صورة إسبانيا حول العالم.
وحاول العديد من اللاعبين التخفيف على الجماهير وإعطاءهم المعنويات، بداية من كاسياس الى فرناندو توريس الذي قال إنه يشعر بالأزمة مع الشعب. وإن كان الفوز سيساعدهم، فإن ذلك سيمنحهم دافعاً إضافياً. إضافة الى جيرار بيكيه الذي وجه رسالة تفاؤل واضحة إلى بلاده التي تواجه الأزمة، قائلاً: «لن نخفق».
رسائل اللاعبين: من كاسياس، الى توريس، الى بيكيه، «نقطة الضوء في ظلام أزمة بلادهم». عبارة تختصر الحكاية كلها، وتكفي لكي ترفع القبعات أمام هؤلاء اللاعبين لما يقدمونه حالياً.