من يعرف قصة حياة لوكا مودريتش، يدرك أن كرة القدم كانت ستخسره، فهو قضى طفولة قاسية جداً خلال حرب استقلال كرواتيا التي راح ضحيتها آلاف المواطنين، فأجبر على الفرار من مسقط رأسه ليعيش حياة اللاجئين في جزيرة إيز، لكنه عاد بعد انتهاء فترة الحرب إلى قريته الصغيرة وبدأ يمارس كرة القدم في الشارع. من سوء حظه أنه لم يلتحق بأي أكاديمية مختصة في اللعبة حتى عام 2002 حيث كان في الـ 17 من عمره. دينامو زغرب كان المحظوظ في الحصول عليه، لكنه أعاره لزرينجسكي موستار البوسني موسم 2003-2004، ثم إلى إنتر زابريتيتش، قبل أن يسترجعه متأثراً بأدائه الباهر مع هذين الناديين، حيث رأى فيه الموهبة التي بإمكانها قيادته إلى منصات التتويج. ومسيرة مودريتش مع دينامو زغرب امتدت لثلاث سنوات، وكانت كلها مليئة بالإنجازات والألقاب، حيث توّج بالدوري الكرواتي ثلاث مرات متتالية، إضافة إلى الكأس المحلية مرتين، والكأس السوبر الكرواتية مرة واحدة.

خلال هذه المواسم، قدّم مودريتش أداءً رائعاً جعله مطلباً للعديد من الأندية الأوروبية الكبرى التي دخلت المنافسة من أجل ضمه على غرار أرسنال وتوتنهام هوتسبر الإنكليزيين إلى جانب بعض الفرق الفرنسية والهولندية والإيطالية. وبعد التسابق على توقيعه، تمكن توتنهام من التعاقد معه في 2008 ليلعب تحت قيادة المدرب الإسباني خواندي راموس الذي فشل في توظيفه في المكان المناسب. لكن مع وصول هاري ريدناب، تمكن الأخير من إعادة تفجير موهبة مودريتش داخل الملاعب الإنكليزية ليكون اللاعب المحوري في وسط الفريق، حيث سطع نجمه، نظراً إلى العديد من الأهداف التي سجلها، إضافة إلى التمريرات الحاسمة التي جاءت من غالبيتها أهداف توتنهام، ما جعل الفريق يجدّد عقده حتى 2016 في محاولة منه لقطع الطريق على الأندية الراغبة في ضمّه.
كل هذا العطاء الذي قدّمه مودريتش لم يتوّجه بأي لقب مع النادي الإنكليزي، ما جعله يبدي رغبة ملحة في الرحيل عن لندن، ويبدو الأقرب إلى خطفه ريال مدريد بطل إسبانيا حيث ارتبط اسم الكرواتي كثيراً به وتردد أن المفاوضات شارفت على النهاية، وقد يكون تأكيد هذه المسألة وضع موقع النادي الإنكليزي صورة رسمية لإعلان القميص الجديد لجميع اللاعبين لم يظهر فيها مودريتش!
وبوجود مودريتش في النادي الملكي، سيصعب توقع تشكيلة الخط الأمامي للفريق، إذ إن المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو لم يطلب اللاعب وفي نيّته وضعه على مقاعد الاحتياط، وهو من المستبعد أن يحلّ مكان صانع الألعاب الألماني مسعود أوزيل. لذا يتوقع أن يلعب مودريتش خلف المهاجمين مباشرة، وبالتالي سيلعب أوزيل على الطرف الأيمن، المكان الذي يبدع فيه أكثر من مركز خلف المهاجم، بينما سيشغل الجهة اليسرى النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، على أن يكون الأرجنتيني أنخيل دي ماريا احتياطياً للاعبين الثلاثة. وكل هذا يعني مزيداً من الإبداع ومن اللمعان في خط وسط ريال مدريد الساعي إلى كأس عاشرة في دوري أبطال أوروبا، وهو الهدف الأساسي لمورينيو وكلّ منغمس في النادي بعد استعادة لقب «الليغا» من الغريم الأزلي برشلونة الموسم الماضي.
« كرويف الجديد»، هو اللقب الذي أطلق على النجم الكرواتي، وطبعاً لم يأتِ هذا اللقب من فراغ، إذ إن طريقة لعبه تشبه في جوانب معيّنة «الهولندي الطائر» يوهان كرويف، فضلاً عن شبهٍ كبير جداً في ملامح وجهه.
«كرويف كرواتيا» عمل بجهدٍ كبير لكي يصل إلى هذه المرتبة الرفيعة، ومدريد الآن بانتظار إبداعاته.