لم يهضم النجم الألماني مسعود أوزيل مسألة استقدام الكرواتي لوكا مودريتش الى ريال مدريد الإسباني ليكون منافسه الجديد على مركز صانع الألعاب في التشكيلة الأساسية للمدرب البرتغالي جوزيه مورينيو. هذا الأمر كان واضحاً على وجه أحد أفضل ممرري الكرات الحاسمة في الملعب، وهو يجلس على مقاعد البدلاء في اللقاء الأخير للفريق الملكي أمام غرناطة في الدوري الإسباني لكرة القدم.
ولا شك في أن أوزيل عرف في قرارة نفسه أن مودريتش وصل لإزاحته من مكانه، وهو يحظى بدعمٍ واسع من الجهاز الفني، وعلى رأسه مورينيو الذي لاحقه كل الصيف لتأمين عبوره من توتنهام هوتسبر الانكليزي الى العاصمة الاسبانية. والدليل على هذه المقولة أن المدرب الفذّ سارع الى إشراك الكرواتي في إياب الكأس السوبر الإسبانية أمام برشلونة، رغم أنه لم تمضِ إلا أيام معدودة على وصوله الى «سانتياغو برنابيو»، وإدراكه تماماً أن حضوره البدني ليس على أفضل وجه. وهنا يبرز دليل آخر على هذا الأمر وهو أنه سحبه من الملعب في الدقيقة 57 أمام غرناطة بعد هبوط مستوى اللياقة البدنية لديه...
هذه المسألة تركت أوزيل أمام تحدٍّ مفتوح رغم الموقف المستغرب الذي وضعه مورينيو فيه، إذ إنه لا مجال للجدال حول موهبة الألماني الذي أدهش العالم الكروي منذ وصوله الى مدريد في صيف 2010، حيث مرر 50 كرة حاسمة، وأكثرها كانت للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يُعدّ صانع ألعاب «المانشافت» أكثر من أهداه الأهداف منذ بداية مسيرته. إلا أن ردّ أوزيل كان حاسماً في مباراتي ألمانيا أمام جزر فارو (3-0) والنمسا (2-1) على التوالي في تصفيات كأس العالم 2014، فسجل في المباراة الأولى هدفين من أصل ثلاثة سجلها «المانشافت»، وأضاف آخر من ركلة جزاء أمام الجار النمسوي.
وهنا قد يقول البعض إن المباراتين لا تعتبران معياراً لناحية الخصمين العاديين اللذين واجها الألمان، وهو أمر صحيح في مكانٍ ما، لكن ليس في حال نظرنا الى حركة أوزيل في وسط الميدان ونزعته المجبولة بالإصرار للوصول الى الشباك، وهي مسألة ظهرت أيضاً أمام النمسا، حيث انبرى بصورة غير اعتيادية لركلة الجزاء، وكأنه أراد محاكاة مورينيو مرة أخرى. أضف إن أوزيل قام بمجهودٍ دفاعي مضاعف وكأنه يردّ على شقّين للانتقادات التي طاولته هناك في اسبانيا. الشق الأول يتعلق بعدم تواصله مع الشباك وابتعاده عنها، بينما يتعلّق الشق الثاني بعدم مؤازرته لمواطنه سامي خضيرة عند تعرّض منطقتهما للضغط من قبل الخصوم.
إذاً، ما أقدم عليه الألماني سيحوّل الحديث الآن في العاصمة الإسبانية من دائرة مشكلات رونالدو وعدم سعادته في «البيت الأبيض» الى الصراع الذي سيدور في هذا البيت بين أوزيل ومودريتش، وسط انقسام التوقعات بين متأكد من أنه ليس بإمكان أحد أن يزيح النجم الأشول من مركزه، وبين من يرى أن مودريتش هو اللاعب المتكامل الذي يبحث عنه مورينيو.
وفي هذا المحور يصعب إجراء مقارنة، ولو أن الإحصاءات والوقائع تشير الى أنه كانت لأوزيل اليد الطولى في ربيع ريال مدريد، فتحوّل بلمساته الساحرة وطريقة لعبه البراغماتية نجماً محبوباً عند الجماهير المدريدية. لكن هذه الجماهير نفسها كانت لديها ملاحظات على الألماني، ومنها أنه لم يتمكن من فرض ذاته في مباريات «إل كلاسيكو» مثلاً حتى أرسل تلك الكرة الذهبية التي سجل منها رونالدو هدفاً في ذهاب الكأس السوبر على ملعب «كامب نو». أما ملاحظات مورينيو فهي أكثر دقة وتتمحور حول عدم تطوّر المستوى البدني للاعبه الذي غالباً ما يخرجه في الشوط الثاني.
في المقابل، تشير أرقام مودريتش الى أنه لعب الدقائق الكاملة في 34 من أصل 36 مباراة خاضها في الـ«برميير ليغ» الموسم الماضي. لكن هذا الأمر لا يعطيه أفضلية فنية على أوزيل، ولو أنه قادر على القيام بمجهودٍ دفاعي أكبر، إذ يرى البعض أن فنيات الألماني وسرعته في بناء الهجمات المرتدة، وهي سمة أساسية في أسلوب ريال مدريد، تبدو أعلى مستوى، وخصوصاً أن هذا الأسلوب يتقنه أوزيل أكثر من أي أحدٍ آخر كونه عاشه أولاً في المنتخب الألماني، ثم مع الريال.
أهداف أوزيل الثلاثة لها أهمية أبعد من النقاط الست التي حصدتها ألمانيا في التصفيات المونديالية، إذ فتح عبرها حرباً مع مودريتش داخل مدريد وخارجها، وسيضع من دون شك مورينيو تحت ضغط الصحافة المدريدية التي تغنّت غالباً بوجود أوزيل في الفريق الملكي، وتساءلت أخيراً عن سبب الإصرار لاستقدام الكرواتي، رغم أن بديل الألماني موجود أصلاً وهو البرازيلي كاكا الذي كان ضحية للساحر الصغير.



مورينيو ينظّم نزالاً آخر

يمكن ألمانيا أن تكون شاكرة للمدرب جوزيه مورينيو الذي وضع مسعود أوزيل تحت ضغط أدى الى قيامه بمجهودٍ مضاعف في مباريات «المانشافت». وهذه المنافسة مع لوكا مودريتش قد ترتد إيجاباً على ريال مدريد أيضاً، تماماً كتلك المنافسة الثنائية التي كان طرفاها كريم بنزيما وغونزالو هيغواين المتصارعان على مركز رأس الحربة.