«Geh Deinen Weg»، عبارة زيّنت قمصان الفرق الثمانية عشر في الدوري الألماني خلال مباريات المرحلة الثالثة في نهاية الأسبوع الماضي، وقد حلّت هذه العبارة مكان رعاة الفرق الذين تركوا المساحة المخصصة لهم لمدة 90 دقيقة وبشكلٍ استثنائي بعدما أصبحت هذه العبارة شعاراً وطنياً مرفوعاً في البلاد.
وبالطبع تساءل كثيرون من متابعي «البوندسليغا» عن هذا القاسم المشترك بين فرقها المختلفة والهدف من وضع هذه العبارة ومعناها «امشِ على طريقتك»، التي نُقشت على الكرات ايضاً، وذلك بعد مؤتمر صحافي عُقد في برلين رأسته المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، ما يشير الى اهمية القضية التي شغلت الرأي العام في البلاد بعدما صارح احد لاعبي الدوري في مقابلة لم يُذكر اسمه فيها بأنه يخشى ان يكشف عن ميوله الجنسية المثليّة؛ لأن طبيعة اللعبة وأجواءها لا تتقبل المثليين.
وهذا اللاعب المجهول الهوية اثار جلبة اكبر عندما اكد ان هناك اكثر من لاعب مثلي في «البوندسليغا»، لكنهم يعيشون يومياً كالممثلين وفي حالة نكران ذاتي!
وبالطبع أثار هذا الامر تحرك الدولة الالمانية التي اعتادت في العصر الحديث العمل لتبديل الصورة القديمة، حيث انطبعت في اذهان كثير من الناس صورة المانيا النازية المضطهدة للأعراق لأسباب عنصرية، وكذلك للمثليين الذين نُكِّل بهم أيام نظام أدولف هتلر.
ولهذه الغاية استُخدمت اللعبة الشعبية الأولى معبراً لغسل افكار المجتمع وتطهيره من هذه الآفات، وخصوصاً أن المانيا هي واحدة من اكثر البلدان تحضراً في أوروبا، وصورتها اللامعة اقتصادياً وسياسياً يفترض أن تتقارب مع الصورة الاجتماعية. لذا، كان التوجّه في بادئ الامر من خلال زرع أبناء المهاجرين في المنتخبات الوطنية، وهو أمر احتاج إلى خطة عمل تسويقية لإقناع الرأي العام بأن هؤلاء «الملوّنين» وغيرهم يمكنهم أن يعودوا بالفائدة على البلاد ويخدموا المصلحة الوطنية. ففي أحد الإعلانات التلفزيونية الخاصة بهذا الموضوع، كان منتخب الناشئين يخوض مباراة وفي صفوفه لاعب وحيد أسمر البشرة، وقد تمكن من تسجيل هدف النصر ليتحلّق حوله رفاقه أصحاب الشعر الاشقر ليقبّلوه ويحتفلوا به...
وبالطبع كانت هذه الحملة نقطة البداية لاستدعاء اول لاعبٍ أسمر الى «المانشافت» مطلع الالفية الجديدة، وهو الغاني جيرالد أسامواه، لتكرّ السبحة بعدها ويتألف المنتخب الوطني من أبناء مهاجرين مختلفي الجنسية، وهؤلاء بالطبع يحملون الراية الآن ويدافعون بإخلاص عن القميص الأبيض.
ومن هذا المنطلق كان التشديد من خلال حملة «امشِ على طريقتك» على ضرورة الاندماج في المجتمع الالماني ونبذ التفرقة، وهذا ما اشار اليه رئيس بايرن ميونيخ أولي هونيس بقوله: «الرياضة، وتحديداً كرة القدم، يمكنها ان تكون المحرك لحصول هذا الاندماج. العرق، الدين ولون البشرة لا يفترض ان تكون مشكلة».
لكن تأكيدات هونيس بأن ناديه سيحمي أي لاعب مثلي إن وجد في صفوفه لا تتقاطع ابداً مع بعض اللافتات النازية التي ترفع احياناً في الملاعب الالمانية، او الهتافات العنصرية التي يثيرها بعض المشاغبين. وبالفعل علت اصوات الجماهير البافارية متهكمة على حارس بايرن الحالي مانويل نوير عندما كان في صفوف شالكه بتهمة أنه مثليّ الجنس، ما يشير الى ان المشجعين لا يتقبلون هذا الموضوع. وأشار كابتن الفريق فيليب لام الى امر مماثل في كتابه بعدما اتُّهم بدوره بهذا الأمر، اذ قال: «لا انصح اي لاعب محترف مثليّ ان يكشف عن حقيقته، لكنني لا اجد مشكلة في ان يكون زميلاً لي».
ويأتي طرح لام بالتأكيد مناقضاً لما حاولت ميركل ترويجه لتشجيع اللاعبين المثليين على الخروج من خوفهم والكشف عن ميولهم الحقيقية، فهي ذهبت الى القول إن السياسيين تخطوا هذه المرحلة واصبحوا منفتحين على زملائهم المختلفي الميول الجنسية، ضاربة المثل بوزير الخارجية الألمانية غيدو فسترفيليه، وعمدة برلين كلاوس فوفيريت الذي كشف عن هذا الامر علناً.
لكن ما فات المستشارة الالمانية ان فوفيريت وفسترفيليه لا يلعبان كرة القدم امام آلاف المتفرجين اسبوعياً، وهو التحدي الآخر الذي يواجهه هؤلاء اللاعبين امام متفرجين شرسين مستعدين لتحويل حياة اي منهم الى جحيم لسببٍ بسيط، هو انهم يلعبون بقميص فريق مختلف عن ذاك الذي يلقى تأييدهم، فكيف اذا كانت الحال أن لاعباً مثليّاً يلعب للفريق المنافس، فهي اصلاً التهمة التي تعمد الجماهير إلى اطلاقها ضد اللاعبين الذين تكرههم للتشويش عليهم خلال وجودهم على ارض الملعب، وآخرهم نجم هجوم بايرن ميونيخ ومنتخب المانيا ماريو غوميز.



فاشانو أشهر ضحايا الاضطهاد الجنسي

جاستن فاشانو، اسم لم يسمع به كثيرون من متابعي كرة القدم، وهو يعود للاعب مميّز عرفته الملاعب الإنكليزية ثم الأميركية. وهذا «الأسمر» كان أول لاعب إنكليزي يكشف علناً عن مثليته، وقد أدى هذا الموضوع إلى وضعه تحت ضغوطٍ هائلة دفعته إلى الانتحار عام 1998، تاركاً رسالة يقول فيها إن ما عاناه بسبب اختلافه الجنسي كان وراء انتحاره.