الكلّ منغمس في المشروع الكروي الفرنسي – القطري. هذا ما كان معروفاً عند قلائل من متابعي قصة دخول القطريين كلاعبٍ أساسي في ملاعب كرة القدم الاوروبية، وتحديداً من بوابة باريس سان جيرمان، الذي يبدو أنه مثّل قاعدة الانطلاق بالنسبة اليهم من أجل إبرام اتفاقات مختلفة الاتجاهات، كان آخرها عقد الرعاية الضخم الذي وقّعه بنك قطر الوطني (QNB) مع النادي الباريسي.
«المحقّق» دورسي، الذي أثار أخيراً فضائح ترتبط بالرئيس السابق للاتحاد الآسيوي القطري محمد بن همام، كشف عن أسرارٍ بسيطة توضح أن صورة العلاقة الكروية بين فرنسا وقطر المتوقّع أن تمتد لسنوات طويلة، ليست وليدة الصدفة على الاطلاق.
وبحسب دورسي، عندما أبدى القطريون اهتمامهم للمرة الاولى بباريس سان جيرمان عام 2006، تعثّر الاتفاق لسببين؛ أولهما ارتبط بالجانب القطري الذي لم يقبل بعنف مشجعي فريق العاصمة، قبل أن يصطدم بأبرز القابضين على أسهم في النادي أي «كانال بلوس» و«سيتي أوف باريس» التي تملك ملعب «بارك دي برانس»، وهما لم يهضما توقيع صفقة مع حاكم غير ديمقراطي على حدّ ما جاء في تقرير دورسي.
إلا أن الاوضاع تغيّرت بعد أربع سنوات عندما دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ولي العهد القطري الامير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الاتحاد الاوروبي للعبة ميشال بلاتيني الى الغداء في قصر الاليزيه، بحضور سيباستيان بازان الممثل الاوروبي للمالكين الاميركيين «كولوني كابيتال» الذين استحوذوا على القسم الأكبر من أسهم النادي في تلك الفترة.
وبالطبع كان الطبق الاساسي على الغداء المذكور كيفية إنقاذ النادي المتخبّط في مشاكله المالية حيث نزف حوالى 20 مليون يورو سنوياً. إلا أن هذه النقطة لم تكن كل شيء، إذ إن الصفقة كانت ثلاثية الاتجاهات، فتمّ تركيبها على الشكل الآتي:
1- تحصل دولة قطر على باريس سان جيرمان، وبالتالي تكثّف استثماراتها الضخمة في فرنسا.
2- يقوم بلاتيني، وهو عضو في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، بالتصويت لملف قطر الساعي الى استضافة كأس العالم عام 2022.
3- تحصل قناة الجزيرة على فرصة لشراء حصة من حقوق النقل التلفزيوني الخاص بالدوري الفرنسي.
فعلاً تعطي هذه الصورة التي وصفها دورسي مثالاً عن وضعٍ اقتصادي مضطرب لفرنسا، مقابل كيفية عمل قطر على تعزيز نفوذها المالي خدمة لمصالحها التجارية والسياسية. وذهب الغزل الفرنسي للقطريين في هذا الاتجاه الى حدّ موافقة البرلمان الفرنسي عام 2009 على قانونٍ يعفي ضريبة الأرباح الخاصة بالشركات القطرية على ممتلكاتها في فرنسا.
وبغض النظر عن السعي القطري الدائم للعب دورٍ أساسي على الساحة العالمية، انطلاقاً من ملاعب الرياضة ووصولاً الى المؤسسات السياسية بهدف جذب المزيد من الاهتمام الى البلاد وتعزيز الاستثمارات أينما كانت، فإن المستفيد الاكبر مما حصل كان باريس سان جيرمان وكرة القدم الفرنسية بالدرجة الاولى.
الحقيقة أن القطريين قاموا بـ«ضربة معلّم»، إذ إن اقتحامهم الكرة الفرنسية والاستثمار فيها يتماشيان تماماً مع سياستهم الاستثمارية في البلاد، حيث يملكون شركات عقارية ونفطية. أضف إلى هذا الأمر أن فرنسا بوضعيها الكروي والاعلامي تعدّ أرضاً خصبة للاستثمار، وخصوصاً أنها كانت بمنأى عن الإماراتيين الذين سبقوا القطريين الى هذه السياسة وضخّوا أموالهم في الكرة الانكليزية.
من هنا يمكن معرفة سبب شراء النجوم ودفعهم الى ارتداء قميص باريس سان جيرمان، إذ لا يخفى أن تعاظم قوة النادي الباريسي لفتت أنظار العالم الى الدوري الفرنسي بحيث أصبح هناك متابعون كثر لمباريات الفريق المذكور وللبطولة عموماً، وهذا ما أشارت إليه الاحصاءات في فرنسا حديثاً.
ومن هذه النقطة يمكن الانطلاق نحو القول إن استفادة باريس سان جيرمان كانت في استعادته هيبته ومركزه بين كبار القارة، في المقابل عزّز القطريون امتدادهم في المجالين الرياضي والاستثماري، بينما يستفيد الطرف الثالث في الصفقة، أي قناة الجزيرة الرياضية، من ارتفاع عدد المشتركين الراغبين في متابعة مباريات الدوري الفرنسي.
فعلاً، الارتباط الفرنسي – القطري من خلال كرة القدم يعطي درساً في أصول «البيزنس» وكيفية عمل الدول وخلطها بين علاقاتها الديبلوماسية والتجارية، وصولاً الى الرياضية التي أصبحت لاعباً أساسياً في هذا المجال.



النعمة في الملعب

«النعمة القطرية» تشمل بعطفها الآن ملعب «بارك دي برانس» الخاص بنادي باريس سان جرمان الفرنسي، إذ بعدما اشترته شركة قطر للاستثمار الرياضي، ستنطلق أعمال التجديد فيه لكي يتناسب مع معايير الملاعب المضيفة لكأس أوروبا 2016. وستعمد الشركة القطرية في العام المقبل إلى بناء منصات ومقاعد جديدة، إضافة الى مساحة مخصصة للإعلاميين بقيمة تتراوح بين 40 و50 مليون يورو، وذلك على ثلاث سنوات، لن ينتقل الفريق خلالها الى «ستاد دو فرانس» أو غيره، وسترفع سعة الملعب إلى 60 ألف متفرج.