كان حميد أبو دقة مثلنا يعشق كرة القدم. حميد (12 عاماً) كان مثلنا ينتظر مباراة ريال مدريد وبرشلونة. يترقب اللقاء. يبحث قبله في أحد مقاهي «الإنترنت» في غزة عن تشكيلة الفريقين. يحاول استفزاز أصدقائه المناصرين للفريق الخصم. يتوقع النتيجة ويحلل خطة هذا المدرب وذاك. يبتسم عندما يرى الألماني مسعود أوزيل موجوداً في تشكيلة ريال مدريد. كان حميد يحب أوزيل كثيراً.
لا شك، كان الفتى يقف عند شاطئ غزة بعد أن ينتهي من التقسيمة مع أصدقائه ويرمي ببصره الى البعيد. يحلم. يحلم بأن يتابع في يوم ما فريقه المفضل ريال مدريد في ملعب «سانتياغو برنابيو». أن يلتقط صورة تذكارية مع نجمه المفضل أوزيل. أن يحصل على توقيع أوزيل على قميصه. أحلام اختصرها قميص أوزيل الذي كان يرتديه حميد في أحد الملاعب الرملية في خان يونس في الأسبوع الماضي عند بداية العدوان الإسرائيلي على غزة. كالعادة، ذهب حميد الى الملعب ليلعب الكرة مع أصدقائه. ليزهو بفنّياته أمام الرفاق. ليفرح. التقط الكرة وراح يداعبها بقدميه. جمع الأصدقاء وقسّمهم الى فريقين. أعطى إشارة الانطلاق وراح يركض وراء الكرة. بدأ يتخطى الرفاق، الواحد تلو الآخر. انظروا إليه، ها هو هنا يتعثر على الأرض مثقلاً بأحلامه، ثم يعود ويتابع خطواته بثبات. ها هو يقترب من المرمى. لم يبق أمامه سوى أمتار ويصل الى الهدف الأغلى في حياته. يقف لحظة. يتنهد من شدة التعب. ينظر الى الأعلى. تتراءى إلى ناظريه طائرة الاستطلاع الإسرائيلية. ها هي تتربص به. بأحلامه الوردية. هل يكمل طريقه الى المرمى أو يختبئ؟ لم يحتج حميد الى أكثر من ثانية لا بل الى جزء من الثانية حتى يحسم قراره. أبى الاستسلام. لم يأبه لتلك الطائرة التي تحوم فوق رأسه... مضى الفتى الى شهادته.
أراد حميد أن يعطي العالم درساً عن شجاعته وصموده وتمسكه بتراب أرضه وبأحلامه. أراد حميد أن يفضح عدوه ومدى الحقد الذي يعتريه. أوصل حميد الرسالة. لا شك في أن العالم بأسره طرح السؤال بعد صورة حميد المؤثرة التي انتشرت على «الإنترنت» وشبكات التواصل الاجتماعي وهو مضرج بدمائه، مرتدياً قميص أوزيل: كيف ليد بشرية أن تغتال الأحلام البريئة لهذا الطفل؟
أوزيل نفسه فهم القصة التي خطّها حميد بدمائه. لم يتوانَ النجم الألماني الشهير عن عرض صورة على صفحته في موقع «تويتر» لقميص حميد الذي يحمل اسمه وهو ملطخ بالدماء وذيّله بعبارة: «الولد الصغير (حميد) كان يلعب الكرة وهو مرتدياً قميصي. أرقد بسلام. لجميع الضحايا، أنا أصلّي لكم».
جماهير نادي روما الإيطالي بدورها فهمت القصة، فرفعت لافتة تحيي فيها صمود غزة خلال المباراة أمام تورينو، ومثلها فعل جماهير ليفربول الإنكليزي.
كثيرون أبكتهم صورة حميد تلك وتأثروا بها. فعلاً، هي صورة تدمي القلوب لفتى استشهد وهو يلهو بالكرة التي لطالما أحبها وكان لا يفوّت مباراة لريال مدريد إلا ويسهر لمتابعتها، كما يروي والده المفجوع برحيله.
حميد يستحق أن تطبع صورته دوماً في أذهاننا وفي قلوبنا، نحن المفتونين بالكرة، عندما نتابع مباراة هنا أو هناك. يستحق منا هذا الفتى أن نضعه الى جانب أيقوناتنا الكروية الخالدة، لا بل بالتأكيد أمامهم.



رياضيّون شهداء العدوان

لم تسلم الرياضة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث استشهد لاعب نادي خدمات رفح، محمد اللولحي، في إحدى الغارات على محافظة رفح. الى ذلك، فقد أقدمت طائرات العدو على قصف ملعب فلسطين في القطاع واستهداف ملعب بيت حانون الرياضي.