تعيش ملاعب كرة القدم ومبارياتها فوضى على صعيد الحضور الجماهيري فما يسري على ملعب لا يسري على آخر، والجمهور المسموح له بالدخول في ملعب ما قد لا يسمح له بذلك في ملعب ثان.
في أي بلد في العالم من يتحمل المسؤولية في هذا الموضوع هو اتحاد كرة القدم. فهو المسؤول عن تنظيم المباريات وكل ما يترافق معها.
لكن في "بلد العجايب" لبنان هذا لا ينطبق على اتحاد اللعبة. فالأخير يشرف على تنظيم المباريات على أرض الملعب، أي كلاعبين وحكام ومراقبين واداريين... أما خارج هذه المنطقة، فهو متفرّج مثله مثل أي مشاهد أو متابع، لا يملك القرار ولا يستطيع سوى تنفيذ الأوامر، أوامر "حاكم الملعب"، سواء كان سلطة الادارة أم "حضرة الضابط".
وقائع أحداث ثلاث مباريات خلال الأسبوع الثامن قد تعطي فكرة عن طريقة تعاطي القوى الأمنية مع مسألة الحضور الجماهيري وكيفية اتخاذ القرارات والى أي مدى تلك القوى الأمنية قادرة على ضبط الأمن إذا أرادت ذلك.
يوم السبت حلّ النجمة وجمهوره ضيفين على النبي شيت ومشجعيه. مباراة كانت من الأفضل هذا الموسم فنياً ومن الأسوأ جماهيرياً. فالحضور الجماهيري كان مسموحاً به والمدرجات استقبلت المشجعين، لكن دون تأمين الحماية الأمنية. قد يكون شعار "كل مواطن خفير" هو المفضل لدى القوى الأمنية، في ما يتعلّق بمباريات كرة القدم، فيما مباريات كرة السلة تنعم بالحضور الأمني على أعلى مستوى، وعناصر مكافحة الشغب بملابسهم الكحلية وعتادهم المميز يزينون ملاعب السلة، ويؤمنون حمايتها، وآخر تلك المباريات نهائي كأس لبنان بين الحكمة وبيبلوس.
أما مباريات كرة القدم فيكفيها دركيان إثنان يحضرن بعد "واسطة"، فيتحولان الى مشاهدين لأحداث المباراة وأهدافها، لكونهما غير قادرين على ضبط مئات من المشجعين نظراً لقلة العدد.
في النبي شيت تحولت استراحة ما بين الشوطين الى فرصة لتبادل العبوات الفارغة والحجارة بين الجمهورين، فوقع جرحى وتأخر الشوط الثاني حتى انطلق بانتظار وصول القوى الأمنية نظراً لاستحالة استكمال المباراة بغياب القوى الأمنية.
رتيب وعنصران من أمن الدولة بزيهم المدني وسلاحهم والسترة التي تحمل إسم الجهاز استطاعوا ضبط الجمهورين. مجرد وجود عناصر أمنيين يتنقلون في أرجاء الملعب فارضين هيبتهم كان كفيلاً بضبط الأمور. هذا يدلّ على أن القوى الأمنية قادرة على ضبط المدرجات إذا أردات ذلك بدلاً من الهروب الى الأمام، بمنع دخول الجمهور دون تأمين عناصر يشرفون على تطبيق هذا القرار.
في مكان آخر كان المشهد محزناً خارج ملعب برج حمود مع تجمع بضع عشرات من جمهور السلام الآتين من مكان بعيد جداً واصطدموا ببوابة الملعب مقفلة. أمر انسحب على جمهور الحكمة أيضاً للسبب نفسه، فهو بكل بساطة قرار من الضابط المسؤول بمنع دخول الجمهور، وهو أبلغ عضو لجنة الملاعب ربيع خداج أن أن شخص يدخل الى المنصة من الجمهور سيكون على مسؤولية خداج.
قرار استمر حتى الدقيقة 25 من المباراة، قبل أن يدخل جمهورا الفريقين الى منصة الشرف بعدما سمح الضابط لهم بالدخول على مسؤوليته الشخصية دون مراجعة مسؤول الملعب بعد تدخّل من المسؤول الإعلامي في الحكمة والمقرب من نادي السلام الزميل فارس كرم مع اداري من السلام، اتصلوا بالضابط وطلبوا السماح بدخول الجمهور.
فـ "حضرة الضابط" بكل بساطة جمع جمهوري الفريقين في مكان واحد دون وجود من يضبط الأمن أو يبعد "الزيت عن النار". أمر كان له تداعياته بعد وقت مع حصول هرج ومرج اعتراضاً على هدف الحكمة الثاني، ولولا تدخل كرم وبعض العقلاء لحصلت مجزرة في المنصة.
ملعب ثالث شهد سيناريو مماثلا من التخبط الأمني. فعلى ملعب بيروت البلدي، وفي لقاء الأنصار والراسينغ الذي حضره مئات من المشجعين كان القرار فيه في البداية: "ممنوع دخول الجمهور"، حيث أبلغته الى عضو لجنة الملاعب حسين عاصي قوى الأمن الداخلي، لكن بعد فترة قليلة قرر الضابط المسؤول في الجيش بيع بطاقات لـ250 مشجعا لكل فريق، ضارباً عرض الحائط بقرار قوى الأمن الداخلي.
في صور لم يختلف الوضع في لقاء التضامن صور والمبرة ضمن بطولة الدرجة الثانية، حيث تحوّل الضابط المسؤول الى عضو لجنة ملاعب يحدد من يدخل ومن لا يدخل، وهو أمر يسري على موظفي الاتحاد حتى.
مشاهد من ملاعب مختلفة لا تعكس سوى واقع واحد. تخبط أمني وعدم وضوح في القرار واستنسابية بين ملعب وآخر. فوضى تجمع مشجعين معاً من دون أن يأبه المسؤولون بخطورة ما قد يحصل، لكن وبكل أسف يحتاج هؤلاء المسؤولون الى "مصيبة"، أو أن تسيل الدماء بغزارة كي يستفيقوا ويؤدّوا واجباتهم.
الاتحاد والأندية بدورهم تقع على عاتقهم مسؤولية رفع الصوت والضغط على الأجهزة الأمنية والمطالبة باجتماعات وآليات وقرارات واضحة، تحدد شكل المرحلة المقبلة، لكنّ هذا قد يوصل الى القرار المرّ بعدم حضور الجمهور نهائيا وتنفيذه بحزم على يد الأجهزة الأمنية.