لطالما شبّه الأرجنتينيون كل موهبة صاعدة بالأسطورة دييغو أرماندو مارادونا، لكن في البرازيل بدا الوضع مختلفاً دائماً، إذ نادراً ما حُكي عن لاعب يمكن تشبيهه بالملك بيليه، إذ حتى «الظاهرة» رونالدو لم يحصل على هذا الشرف الذي يلقي على صاحبه قدراً كبيراً من المسؤولية. لكن الوضع بدا مختلفاً مع ظهور نيمار بالقميص الأبيض الخاص بنادي سانتوس، اذ إن السن الصغيرة للاعب المذكور والنادي الذي يدافع عن ألوانه وضعاه في مقارنة مع بيليه الذي سار على الطريق نفسها قبله.
واتسعت رقعة هذه المقارنة مع تألق نيمار على ارضية الميدان وتسجيله الأهداف بغزارة، منصّباً نفسه النجم الأول لفريقه، قبل ان يرتدي القميص الاصفر للمنتخب الاول في تموز الماضي ويصيب نجاحاً باهراً بتسجيله هدفاً في مرمى الولايات المتحدة بعد 28 دقيقة فقط على بدايته مع «السيليساو».

هكذا يولد النجوم

تبدو قصة نيمار والنجومية كلاسيكية للغاية، إذ على غرار كل الذين سبقوه، بدأ نجم هذا المهاجم السريع يلمع في سنٍّ صغيرة، وتحديداً في السابعة عشرة من عمره عندما سجل بدايته مع سانتوس، ليصل بعدها الى الشباك في ثاني مباراة له فقط مع الفريق الأول.
وكثرت الأهداف بعدها في المناسبات المهمة، فبدأ البرازيليون بتشبيه نيمار بالأسطورتين بيليه وروماريو، وقد ذهب النجمان المذكوران شخصياً لإقناع مدرب المنتخب البرازيلي السابق كارلوس دونغا باختيار الموهبة الصاعدة ضمن التشكيلة التي ستخوض غمار نهائيات مونديال 2010 في جنوب أفريقيا. إلا أن كابتن «السيليساو» الذي رفع كأس العالم عام 1994 في الولايات المتحدة، تمسّك برأيه على أساس أنّ النجم الشاب لم يُختبر بعد على أعلى مستوى دولي ليحظى بفرصة الذهاب الى الحدث العالمي.
رأي دونغا لم يكن مماثلاً لرأي الأندية الاوروبية المهمة التي تهافتت على خطب ودّ نيمار، وأوّلها تشلسي ومانشستر يونايتد وانتر ميلانو ويوفنتوس وصولاً الى برشلونة وريال مدريد. ورغم أن تشلسي كان الأكثر جدية بتقدّمه بعرض قيمته 35 مليون يورو رفضه سانتوس، ذهب ريال مدريد الى ابعد من ذلك بادعائه أنه وقّع عقداً أولياً مع اللاعب، ما دفع النادي البرازيلي الى نفي الأمر وتجديد عقد هدافه حتى 2014، جاعلاً منه الأعلى أجراً في تاريخه.
بدوره، لم يهدر برشلونة الكثير من الوقت فور ورود أنباء عن اهتمام غريمه الريال بخدمات نيمار، فأوفد في كانون الثاني الماضي رئيس الكشّافين لديه ألبرت فالنتين الى البيرو لمراقبته، فعاد الأخير بتقريره واصفاً البرازيلي بأنه نجم كوبا أميريكا للاعبين دون 21 عاماً بفضل شخصيته القوية حيث فرض حضوره في كل مباراة شارك فيها، فتوّج هدافاً للبطولة برصيد 7 اهداف.

قدما نجم وعقل طفل

ابن التاسعة عشرة وصاحب القدمين الخفيفتين اللتين تسمحان له بالجري بسرعة فائقة والتسديد بدقة وقوة في آن معاً، إضافة الى المراوغة ببراعة، لا يتمتع بسمعة طيّبة في الكرة البرازيلية، وذلك بسبب شخصيته الثائرة. فمنذ اعلان تشلسي اهتمامه به، بدا الفتى باحثاً عن طريق للخروج من ناديه الذي انشغل بحلّ المشكلات التي يخلقها هذا اللاعب، وخصوصاً بعد تصريحاته المتضاربة بأنه يريد البقاء ثم الرحيل الى تشلسي وبعدها الى يوفنتوس.
إدارة سانتوس تحرّكت بسرعة لضمان بقاء أفضل مهاجم في الدوري البرازيلي ضمن صفوف فريقها، فأعطته ما يطلبه حيث بات راتبه يوازي 70 ألف يورو شهرياً. وطبعاً عرف سانتوس كيفية الاستثمار لأن وجود نيمار معه جذب عدداً لا يستهان به من المعلنين حيث حصل اللاعب على حصة من أموالهم أيضاً، ما أثار خوف البعض حول امكان ضياعه بسبب اصابته الثراء بسرعة، وهذا ما حذّر منه بيليه، الذي انتقد دائماً حصول اللاعبين الصغار على المبالغ الكبيرة، ما يجعلهم ينغمسون في حياة اصطناعية تقضي على مستقبلهم الكروي سريعاً.
وبطبيعة الحال، بدا أن ادارة سانتوس ترتكب الاخطاء بجعل نيمار «خطاً أحمر» في الفريق، إذ طُرد المدرب دوريفال جونيور بعد ايام قليلة على خلافه مع الدولي البرازيلي، في مفارقة غريبة، وخصوصاً أن المذنب في المشكلة كان نيمار ولا أحد سواه. ففي إحدى المباريات امام اتلتيكو غويانيينسي، حصل سانتوس على ركلة جزاء، فطلب دوريفال من نيمار عدم تنفيذها لأنه كان قد أهدر آخر ثلاث ركلات حصل عليها الفريق، ما أثار غضب الأخير فأهان المدرب وبعض زملائه وعلى رأسهم الكابتن إيدو دراسينا متهماً اياهم بالخيانة وواعداً بعدم تمرير الكرة لأيٍّ منهم بعد الآن!
ورفضت الإدارة طلب دوريفال بوقف نيمار لأسبوعين، مكتفية بعقوبة الإيقاف لأسبوع واحد، طُرد على اثرها الاول، ما دفع مدرب غويانيينسي رينيه سيموس الذي شهد الحادثة الى القول: «ما فعله هو أمر مستغرب وأصابني بالخيبة. لقد عملت طويلاً مع لاعبين شبان ولم أشاهد أمراً مماثلاً»، خاتماً: «على أحدهم تثقيف هذا الفتى وإلا فسنخلق منه وحشاً».
وفيما أصبح نيمار محطّ حديث الجميع في البلاد التي تبحث عن نجم جديد في خط الهجوم بعدما افتقدت هذا الامر منذ اعتزال رونالدو، بدأت التحذيرات من خسارة «الكنز الوطني»، وقد تدخّل حتى وزير الرياضة لحثّ الجميع على إبقاء نيمار في الدوري المحلي ريثما ينضج قبل الذهاب الى اوروبا التي دفنت أحياناً مواهب بعض مواطنيه وكان آخرهم المهاجم الفذ أدريانو الذي عاد أخيراً الى «بلاد السامبا» للعب مع كورينثيانس.
نقطة واحدة فقط ستبقي نجم نيمار مضيئاً هي إبقاؤه قدميه على الأرض حتى يسجّل الأهداف الكفيلة وحدها بصعوده الى مصاف الأساطير الذين طالما حملوا المجد الى تلك البلاد المهووسة بالمستديرة.



فرديناند يمدح موهبة نيمار

أشاد مدافع نادي مانشستر يونايتد ريو فرديناند بالأداء الراقي الذي قدّمه نيمار في المباراة الودية التي جمعت «السيليساو» بمنتخب اسكوتلندا في لندن. وقال فرديناند إن نيمار يُذكّره بكريستيانو رونالدو كثيراً وخاصة أثناء فترة شباب النجم البرتغالي، غير أن اللاعب قال لوسائل الإعلام إنه يسعى للسير على خُطى نجم البرازيل السابق روماريو.