يذكر الجميع لقب الـ«جوراسيك بارك» الذي أُطلق على المنتخب الالماني في مطلع الألفية الجديدة بسبب تقدّم غالبية لاعبيه في السن، وهو الذي عانى اصلاً هذه المشكلة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً في مونديالي 1994 في الولايات المتحدة و1998 في فرنسا.
وانسحب هذا الوضع مع وصول إيريك ريبيك الى سدّة التدريب حيث كان الخروج بخفّي حنين من الدور الاول لكأس اوروبا 2000، ولم يكن الامر افضل عشية ترك خليفته رودي فولر لمنصبه، اذ رغم قيادته «المانشافت» الى المباراة النهائية لكأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، فضّل الاستقالة بعد الخروج ثانيةً من الدور الاول للبطولة القارية عام 2004، لانه عرف في قرارة نفسه تماماً كما عرف المرشحون الآخرون لمنصب المدرب ان الملاعب الالمانية تفتقر الى الشبّان القادرين على حمل راية المنتخب الى الادوار المتقدّمة في المحافل العالمية.

درس كلينسمان - لوف

رجلان فقط امتلكا الشجاعة للمضيّ قدماً ووضع «المانشافت» مجدداً على السكة الصحيحة هما الهداف السابق يورغن كلينسمان ومساعده المدرب الحالي يواكيم لوف. لقد عمل الاثنان بشجاعة ومن دون تردد في آن معاً، فشرعا في إبعاد المتقدّمين في السن عن التشكيلة من دون ان يكترثا لمدى تأثير هذه المسألة في مراكز حسّاسة كخط الدفاع حيث «اختفى» مثلاً ينس نوفوتني وكريستيان فورنز، وظهر بير ميرتساكر وروبرت هوث والكابتن الحالي فيليب لام...
وذهب لوف الى ابعد من ذلك في المونديال الاخير، اذ أسند حراسة المرمى الى الشاب مانويل نوير (24 عاماً)، في خطوة يرى فيها الكثير من المدربين مخاطرة، اذ يفضّل غالبيتهم منح الثقة الى حارس صاحب خبرة طويلة.
وبطبيعة الحال، برهن كلينسمان ولوف ان الملاعب الالمانية لا تفتقد المواهب، بل ان المدربين لم يضعوا في الاعوام الاخيرة الثقة بناشئيهم، وخصوصاً المحليين منهم، قبل ان تتبدّل الامور في الموسمين الماضي والحالي حيث بدا أن المديرين الفنيين اتعظوا من تجربة الثنائي المذكور فبدأت البراعم تتفتح في ملاعب «البوندسليغا» حاملةً معها آمالاً كبيرة لمستقبل مزهر للمنتخب الوطني.

الصغار يفرضون حضورهم

فعلاً، اعطت تجربة كلينسمان – لوف درساً لجميع مدربي الفرق الالمانية من دون استثناء، اذ وجدنا عند البعض تغييراً جذرياً في الفلسفة وسط اقتناع الادارات بأن الصغار يمكنهم حمل المجد بنحو قد يتخطى ما يمكن احرازه بواسطة اولئك النجوم اصحاب الاجور الباهظة. والمثال الابرز على هذه المسألة هي تجربة المدرب يورغن كلوب في الموسم الحالي، اذ إن فريقه بوروسيا دورتموند، صاحب معدل الاعمار الاصغر، يتربع براحة تامة على عرش بطولة الدوري، وذلك بفضل اسماء شابة، امثال ماريو غوتزه (18 عاماً) وكيفن غروسكروتس (22 عاماً) وماتس هاملس (22 عاماً)، وهؤلاء الثلاثة تحديداً رشّحهم النقاد ليكونوا عماد المنتخب الالماني في المستقبل القريب بفضل الاداء الرفيع الذي قدّموه وأحدث فارقاً كبيراً في مستوى فريقهم.
وليست مصادفة أن يقدّم هؤلاء الشبان اداءً يضاهي ما يقدّمه المخضرمون حالياً في «البوندسليغا»، اذ لا يمكن مثلاً اسقاط المستوى الرائع للدولي توماس مولر (21 عاماً) افضل هداف ولاعب شاب في مونديال جنوب افريقيا، والذي بسببه اتجه مدرب فريقه بايرن ميونيخ الهولندي لويس فان غال الى العودة للسياسة التي انتهجها ايام كان مدرباً في اياكس امستردام، اذ لم يتردد في بيع مواطنه الكابتن مارك فان بومل (33 عاماً) مثلاً واستبداله بالبرازيلي لويز غوستافو (23 عاماً)، اضافةً الى شكره الحارس «العجوز» هانس يورغ بوت (36 عاماً) على جهوده، مانحاً في فترة محرجة من الموسم مكاناً اساسياً للشاب توماس كرافت (22 عاماً) الذي لا يملك الخبرة الواسعة.
ويبدو لافتاً انه حتى مدرب شالكه السابق فيليكس ماغاث الذي اجرى أربع صفقات هذا الموسم مع لاعبين متقدّمين في السن (كريستوف ميتسلدر، الاسباني راوول غونزاليس، اليوناني أنجيلوس كاريستياس والايراني علي كريمي)، كان قد بدأ في تجهيز نفسه للموسم المقبل عبر افساح المجال للاعبي فريق الشباب للمشاركة في تمارين ومباريات الفريق الاول، فرفّع اللبناني الاصل إيهاب درويش ولعب المراهق جوليان دراكسلر (17 عاماً) ضد نورمبرغ في مسابقة الكأس مؤهلاً فريقه الى نصف النهائي بهدف جميل. ومع المدرب العائد رالف رانغنيك، سيشكّل الوافدون الجدد دعامةً اساسية للفريق الساعي الى تعويض «صدمة» الابتعاد عن المنافسة على اللقب هذا الموسم، وخصوصاً اذا دُمجوا مع الذين سبقوهم الى الاضواء في الموسم الماضي، امثال لوكاس شميتز وجويل ماتيب وكريستوف موريتز.
باختصار، اصبحت الفلسفة المتجسّدة في فرق الدوري الالماني تتمحور حول عدم التفكير بأن صغر سن اللاعب يجب ان يقف حائلاً دون منحه الفرصة التي يستحقها على أرض الملعب. لكن بطبيعة الحال، يمكن أن تتنعم ألمانيا حالياً بولادة «نجم صغير» في كل من ملاعب بطولتها هذا الموسم، وبعيداً عنها ايضاً، فها هو اليافع ألكسندر ميركل يظهر فجأة في ميلان الايطالي منافساً المخضرمين على مركز اساسي في خط وسط الفريق اللومباردي.



شباب ألمانيا مطلوبون في أوروبا

بعد تألّق اللاعبين الألمان الشباب، إن على صعيد الدوري المحلي أو في المنتخب الوطني، فإنهم باتوا مطلوبين في أكبر الأندية الأوروبية، وعلى رأسها مانشستر يونايتد الانكليزي، حيث لا يخفي مدرب هذا الأخير، الاسكوتلندي اليكس فيرغيسون توقه للحصول على خدمات الحارس مانويل نوير من شالكه، إضافة الى ماريو غوتزه من بوروسيا دورتموند وماركو مارين من فيردر بريمن.