لم يعد قلق محبي كرة القدم البرازيلية على الموهبة الجديدة نيمار ناتجاً من إمكان حرقه لموهبته من خلال انتقاله في سن صغيرة الى ملاعب أوروبا، وسط تهافت أهم الأندية للحصول على توقيعه الثمين. القلق أصبح أكبر الآن، لأنه بكل بساطة خرج بيليه مادحاً مهاجم سانتوس، ومعتبراً ان الأخير لديه كل الامكانات لتخطّي افضل لاعب في العالم حالياً، الأرجنتيني ليونيل ميسي، مضيفاً: «نيمار يمكنه التسجيل بسهولة بقدمه اليسرى، كما هي الحال بقدمه اليمنى، عكس ميسي، الذي ليس لديه ثقة بقدمه اليمنى».
وفي الوقت الذي لا يشك فيه أحد في الإمكانيات العظيمة التي يختزنها المهاجم البالغ من العمر 19 سنة، فإن الشكوك تثار دائماً عندما يطلق بيليه توقعاً معيّناً. فهو إذا نصّب نفسه ملكاً للكرة وأفضل لاعب في تاريخها، بحسب البعض، فإنه الأكثر فشلاً من ناحية الترجيحات التي لم تصدق يوماً عندما خرجت من فمه. وذهب البعض في البرازيل والعالم إلى اعتباره فألاً سيّئاً، لأن «مكروهاً» سيصيب كل اسم يذكره بالمديح، وقد ثبت هذا الأمر في مناسباتٍ عدة منذ اعتزال بطل العالم ثلاث مرات للعبة.
تصريحات بيليه غالباً ما طغت عليها الغرابة، وهي بدت في أحيانٍ عدة بعيدة عن المنطق، لذا لم يكن مستغرباً ان يحصل العكس في نهاية المطاف. ففي مونديال 1994، توقّع بيليه ان تتوّج كولومبيا باللقب، لكن النتيجة كانت خروج كارلوس فالديراما ورفاقه من الدور الاول بعد احتلالهم المركز الاخير في مجموعتهم، إثر كأس عالم ستبقى في الذاكرة لفترة طويلة بالنسبة اليهم والى جماهيرهم، وذلك ليس بسبب إنجازٍ ما، بل بسبب الطريقة المأسوية التي آلت إليها الأمور، حيث كان أندريس إسكوبار ضحية الفشل المونديالي عندما قتل على يد إحدى العصابات، بعد تسجيله هدفاً بالخطأ في مرمى فريقه، خلال المباراة امام الولايات المتحدة.
ولم يختلف السيناريو بعد أربعة أعوام في مونديال 1998، عندما رشّح بيليه اسبانيا لنيل اللقب الغالي، لكن الخروج المذلّ من الدور الاول كان بانتظار «لا فوريا روخا» الذي خسر امام نيجيريا وتعادل مع الباراغواي عامذاك.
وقبل هذا المونديال، كان بيليه قد توقّع فوز منتخب أفريقي بالكأس الذهبية قبل الألفية الجديدة، لكن حتى يومنا هذا كانت افضل نتيجة لأحد ممثلي «القارة السمراء» بلوغ الدور ربع النهائي.
الكارثة الأكبر التي اصابت توقعات بيليه كانت في مونديال 2002، لأنها ارتبطت مباشرة بمنتخب بلاده، إذ أطلق «الملك» حينذاك تصريحه الشهير بقوله: «لن تفوز البرازيل بكأس العالم، فمنتخبنا لن يكون قادراً على تخطّي الدور الاول حتى». والمفاجأة السارة لراقصي «السامبا» كانت إضافة «السيليساو» لقباً عالمياً خامساً بعد فوزٍ مشهود على نظيره الالماني في المباراة النهائية بهدفين نظيفين حملا توقيع رونالدو.
وفي هذا المونديال أيضاً، سقط توقع آخر لبيليه، إذ بحسب رأيه، فإن فرنسا والارجنتين ستقفان على خشبة مسرح النهائي، ولسخرية القدر خرج المنتخبان من الدور الاول بخفّي حنين، وخصوصاً الفرنسي الذي لم يتمكن من تسجيل اي هدف، ففقد اللقب بطريقة مخزية. كذلك ضرب بيليه كفّاً بكف عندما شاهد الصين تخرج من دور المجموعات، وهو الذي رشّحها للعبور الى دور الـ 16، لكن المنتخب الآسيوي لم يحصد أي نقطة أو يسجل اي هدفٍ ايضاً خلال مبارياته الثلاث، بل تلقّت شباكه تسعة اهداف.

اللاعبون ضحية توقعاته

وفي ما يخصّ اللاعبين، كان التصريح الأكثر فشلاً لبيليه مرتبطاً برونالدو، إذ اكد الاول ان «الظاهرة» انتهى وليس له مكان بعد الآن في ملاعب كرة القدم، إثر سلسلة من الاصابات وضعت حدّاً لارتباطه بميلان الايطالي. لكن الهداف الشهير الذي ودّع الملاعب الاسبوع الماضي، عاد في آذار 2009 بقميص كورينثيانس، لا بل سجّل 10 اهداف في 14 مباراة أسهمت على نحو رئيس في تتويج فريقه بلقب «باوليستا».
لاعبٌ آخر ورد اسمه على لسان بيليه وأصاب فشلاً ذريعاً، هو الانكليزي نيك بارمبي، الذي توقع له ان يبلغ مصاف عظماء اللعبة، لكن جناح ليفربول سابقاً لم يتمكن من لعب اكثر من 23 مباراة دولية، ولم يشارك أبداً مع منتخب «الأسود الثلاثة» في المونديال.
كذلك لا يمكن نسيان كيف ان العالم ضجّ بتصريح بيليه مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما هنّأ محبي الكرة حول العالم بولادة خليفته الغاني نيي لامبتي، الذي سطع نجمه في كأس العالم للاعبين دون 17 سنة، لكن نعمة الاشادة هذه تحوّلت الى لعنة على لاعب الوسط المذكور، الذي تنقّل بين هولندا وانكلترا وايطاليا وتركيا، من دون ان يجد نفسه في اي منها.
هل يصيب نيمار ما حدث لكل هؤلاء؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، ولو انه في استكماله لتصريحه ذكر بيليه شيئاً منطقياً عندما رأى ان نوعية لاعبٍ مثل نيمار لن تتوقف عند هذا الحدّ»، ثم بالغ مرة جديدة عندما قال: «مع قليل من الخبرة سيصبح نيمار افضل من ميسي».
لكن بطبيعة الحال، بيليه هو الملك، وبحسب المتيّمين به، يحق للملك أن يقول ما يشاء.



لا يفقه شيئاً في كرة القدم

في أشهر تعليق على التوقعات الفاشلة لبيليه، كان ما ذكره المدرب لويز فيليبي سكولاري الذي قاد البرازيل الى لقب مونديال 2002، إذ صرّح: «أؤمن بأن بيليه لا يفقه شيئاً في كرة القدم. تحليلاته كلّها تأتي نتيجتها مغايرة. إذا أردت أن تفوز بلقبٍ ما، فعليك أن تستمع الى بيليه ثم تقوم بالعكس تماماً».
أما بطل مونديال 1994 روماريو فقال عن «الملك»: «بيليه هو شاعر عندما يبقي فمه مغلقاً».