بات السؤال الذي يشغل بال المجتمع الرياضي اللبناني هو: على أي قاعدة، ووفق أي معايير تُوزَّع المساعدات على الاتحادات والنوادي اللبنانية؟ ففي مقررات جلسة مجلس الوزراء الماضية، نالت «جمعية» بيروت ماراثون مساعدة من الدولة بقيمة 300 مليون ليرة. وقبل يومين صرفت مساعدة مماثلة لنادي تبنين الذي يلعب في الدرجة الثانية لبطولة كرة السلة. وقبل 3 سنوات نال نادي الجبل حاصبيا مساعدة من الوزارة (في عهد الوزير طلال أرسلان) بقيمة 175 مليون ليرة، إلى غيرها من المساعدات التي تقررها الوزارة. وببحث دقيق في هذه المساعدات، نجد أنها تصرف وفق محسوبيات ومحاصصات بعيدة كل البعد عن المعايير الرياضية.

وهناك أمثلة كثيرة على إنجازات رياضية تحققت في الأعوام الثلاثة الأخيرة لم يحصل أصحابها الذين صرفوا من جيوبهم لرفع اسم الوطن إلا على تكريمٍ لا يغني ولا يسمن؛ إذ إن نادي السد بطل لبنان في كرة اليد أضحى «أبو الإنجازات» في الرياضة اللبنانية، بفوزه في بطولة النوادي الآسيوية، وبعدها بحصده برونزية بطولة العالم. و«رد الجميل» لمن رفع اسم لبنان كان فتح صالون الشرف في مطار بيروت وحفل عشاء. وينطبق الأمر عينه على النادي الرياضي بطل لبنان في كرة السلة، الذي أحرز بطولة القارة الأكبر أيضاً، وكوفئ بحفل عشاء أيضاً. كذلك، أحرز ميشال سماحة ميدالية برونزية في دورة الألعاب الأولمبية للشباب في التايكواندو، إلى ميداليات أخرى أحرزها رياضيون لبنانيون في دورة الألعاب الآسيوية الأخيرة، وهي برونزية في التايكواندو لأندريا باولي، وفضية وبرونزيتان في الرماية عبر جو سالم وعبدو اليازجي وجوزف حنا، وفضية في بطولة آسيا لألعاب القوى لغريتا تسلاكيان في سباق 200 متر.
وأمام هذه الإنجازات، لم يحصل أحد منهم على أية مساعدة تحفز للرقي بالرياضة إلى أعلى الدرجات، بدل الصرف العشوائي لميزانية الوزارة.

احتضان أصحاب الإنجازات

وبات لزاماً على الدولة أن تحتضن أصحاب الإنجازات وأن تتبنى المنتخبات الوطنية في شتى الألعاب، وخصوصاً الكبيرة التي تحتاج إلى مصاريف كبيرة مثل منتخبات كرة القدم والسلة والطائرة واليد، والألعاب الفردية. ولأنه لا يجوز أن تنال جمعية تستأثر بالإعلانات وبدعم وحضور رسمي من أركان الدولة ورأس هرمها جراء يوم واحد من الفولكلور والأهازيج والغناء والرقص 300 مليون ليرة، وفي النهاية تكون النتائج كارثية على المستوى الرياضي. ويقابل هذا الأمر كلمات شكر وثناء لرياضية واعدة مثل أندريا باولي. ولا يمكن القبول بأن تصرف مساعدة لنادٍ في درجة ثانية وقبله في درجة ثالثة، بينما هناك نواد تصنع إنجازات قلّ نظيرها في بلد يضع الرياضة في آخر سلم الأولويات، من دون أن يمد أحد يد المساعدة إليها.
وفي الوقت الذي تطلب فيه الوزارة سنوياً رفع ميزانيتها، فإنها لا تقدّم تصوّراً لكيفية صرف هذه الميزانية؛ فإذا كانت على هذا النسق من المساعدات، يجب فتح مساءلة في ديوان المحاسبة وتدقيق في حسابات وزارة الشباب والرياضة؛ إذ يبدو واضحاً أن المساعدات تذهب إلى غير مستحقيها.
ويشير أحد الرياضيين ممن كان لهم شرف إحراز ميدالية خارجية، إلى أن اتحاد اللعبة التي يمارسها لم يحصل على مساعدة، وأنهم، بوصفهم رياضيين، لم يحصلوا على المكافآت التي وعدتهم بها الوزارة التي أعلنت أن حامل الذهبية يحصل على عشرة ملايين ليرة والفضية على سبعة ملايين ونصف مليون ليرة والبرونزية على خمسة ملايين.
وبحسب موازنة عام 2010، رصدت الوزارة خمسة مليارات ليرة لتوزيعها مساعدات على الهيئات التي لا تبغي الربح، وهي الأندية والاتحادات الرياضية والكشفية والشبابية. أضف أن هناك مصاريف الوزارة العادية التي تقدّر بـ 2.1 مليار ليرة (قرطاسية وموظفون ولوازم مؤتمرات واستضافات وتنقلات)، تلحظ أيضاً صيانة المنشآت الرياضية، ومنها المدينة الرياضية وملعب طرابلس الأولمبي، وكلاهما باتا ثكنتين عسكريتين بدلاً من أن يكونا صرحين رياضيين.

كيف توزع هذه الأموال؟

في الدول المحيطة بلبنان، يكون قطاع الرياضة بإشراف الدولة التي تهتم بكافة تفاصيله، إضافة إلى رعاية الخامات المميزة لتكون نواة أبطال مستقبلاً. وتكون المنتخبات الوطنية بإشراف الاتحادات والجهات الحكومية أيضاً. لكن الأمر يبدو مغايراً تماماً في لبنان؛ لأن الوزارة لا تعنى مثلاً بسؤال اتحاد كرة القدم: لماذا تقهقر المنتخب الوطني إلى أسفل الترتيب؟ أو لماذا حدثت «فضيحة» منتخب الناشئين؟ كذلك، لم تحقّق الوزارة في تراجع مستوى كرة السلة، وغيرها من الرياضات، وخصوصاً أن مساعدات كانت قد صرفت في السابق لاتحادات ألعاب، وتحديداً الجماعية منها، من دون العودة بأي نتيجة إيجابية، باستثناء مشاركة منتخب كرة السلة في كأس العالم في تركيا وخروجه من الدور الأول، ونادي الأنصار الذي ظهر بمستوى خجول في كأس الاتحاد الآسيوي، رغم أنه حصل على مساعدة للمشاركة بعد تلويحه بالانسحاب. وتضاف مساعدات إلى اتحاد كرة اليد والكرة الطائرة. لكننا نرى المنتخبات في مستوى متواضع، في موازاة الكثير من الإخفاقات على أكثر من صعيد رياضي، وكل اتحاداتها وأنديتها تطالب الدولة بالمساعدات.
وتتحمل الاتحادات أيضاً مسؤوليات في الفشل؛ إذ إن دورة الألعاب الفرنكوفونية 2009 التي استضافها لبنان، صرفت الدولة لها مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات للاتحادات بغية تجهيز رياضييها، والنتيجة كانت 4 ميداليات بمعدل 750 مليون ليرة لكل ميدالية.
والمفارقة أن القوانين والأنظمة تفرض على كل هيئة تستفيد من مساهمات الموازنة العامة أن تحصل على براءة ذمة من ديوان المحاسبة لكي تستفيد من المساهمات في السنة التالية. وهذا يعني تقديم كشوفاً بكل المصاريف والميزانيات التي تتعلق بالجهة المستفيدة. إلا أن ذلك لا يحصل، نتيجة المحسوبيات السياسية والطائفية واستسهال مخالفة القوانين.
إزاء هذه الميزانيات وهذه الأموال المُهدَرة، لا بد من أن تقف الوزارة، بالمشاركة مع لجنة الشباب والرياضة البرلمانية المكلفة مهمة مراقبة عملها لوقف هذا الهدر في المال العام الرياضي وإيلاء الشأن الرياضي الاهتمام والاعتناء بالنشء عبر «إعطاء كل ذي حق حقه».



السد بانتظار الحكومة

أكد رئيس نادي السد تميم سليمان أنه تلقى وعداً من الوزارة بصرف مكافأة لناديه بعد إحرازه برونزية بطولة العالم لكرة اليد، وقبلها لقب بطل آسيا، إلا أن النادي لا يزال في الانتظار، بينما تؤكد مصادر أن الأمر بات في عهدة مجلس الوزراء.



بيروت ماراثون لا تبغي الربح؟


حددت الحكومات السابقة ميزانية وزارة الشباب والرياضة بحوالى ملياري ليرة، تضاف إليها مصاريف المساعدات التي تتلقاها الجمعيات التي لا تبغي الربح لمساعدتها على القيام بمهماتها التي تتعلق بالشباب والرياضة. إلا أن جمعية بيروت ماراثون تنظم حدثاً يعدّ رياضياً، بيد أنه يحمل طابعاً سياحياً وترفيهياً. وفي السنة الأخيرة، شهد السباق الرسمي (42.195 كلم) كارثة في النتائج الرسمية لا تزال مسؤوليتها متقاذفة بين الجمعية واتحاد ألعاب القوى، كما أن الجمعية تهيمن على الإعلانات الرياضية وعلى أماكن الإعلانات التي تعود عليها بالنفع المادي الوفير، إذ تُستغل الرعاية الرسمية للسباق (السياسية تحديداً) لجذب الأموال من الإعلانات، إضافة الى أن كل مشارك يدفع رسماً مادياً لخوض السباق.