انتهت مباراة لبنان والكويت وكان الفائز الوحيد فيها الجمهور اللبناني. هذا الجمهور الذي لطالما حُرم من الحضور حفاظاً على السلم الأهلي، حضر بأعداد كبيرة وفاق عدده الثلاثين ألفاً من كل الطوائف مثبتاً أنه هو من يحافظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية وليس العكس. وحين يهدأ السياسيون ويتخلّون عن الشحن الطائفي ينساهم الجمهور تماماً ويصبح اسم لبنان الوحيد على الألسنة. ثلاثون ألف شكراً لمن نجح في الاختبار وأثبت أن حرمانه من الحضور هو جريمة بحق الوطن.
ما حصل على ملعب المدينة الرياضية ليس أمراً عابراً، حيث اجتمع ابن الضاحية مع ابن طريق الجديدة مع ابن الجبل في منطقة عُدّت في الاعوام الماضية خط تماس وبؤرة توتر. في المنطقة التي حصلت فيها أحداث الجامعة العربية اجتمع ما يفوق الثلاثين ألفاً للمرة الأولى منذ 2006 حين حضر الجمهور للمرة الأخيرة قبل أن يأتي قرار المنع. ثلاثون الفاً من كل الطوائف وضعوا السياسة خلفهم ولبنان ومنتخبه أمامهم وشجعوه على مدى ساعتين وأكثر من دون أن تحصل «ضربة كف». ثلاثون ألفاً دخلوا وخرجوا من دون مشكلة تذكر.
الكل فرح بعودة الروح الى الملاعب. الكل سعيد بنجاح الاختبار. الكل مرتاح، فالحملة نجحت والتعبئة الاعلامية على مدى أسبوع كانت «ضربة معلّم». الكل وجّه رسالة واحدة «جمهور كرة القدم يستحق الثقة». هي رسالة قد تكون محرجة لكل من ينادي بعدم عودة الجمهور لكنها واضحة «الجمهور يريد سقوط المنع».
انها الرابعة الّا ربعاً عصراً. الحركة عادية في شوارع بيروت، وتحديداً في منطقة فردان والحمراء، ولا شيء يدلّ على إقامة مباراة لمنتخب لبنان لكرة القدم عند الساعة الخامسة. يقف «سرفيس» يسألك الى أين؟ ترد: المدينة الرياضية. يأتي الجواب «طلاع». يتوجه عن طريق الماريوت طلعة السفارة الكويتية. تفاجأ بزحمة السير في الطلعة، من السلطان ابراهيم «والسير مسكّر»، يتساءل السائق «شو بلّش الاضراب؟». يأتي جواب شخص آخر «يمكن بسبب المباراة». تستمر السيارة بالتحرك «قلبة دولاب» حتى تصل الى الملعب بعد نصف ساعة. تدخل من البوابة الكبرى والجماهير تتوافد. تدخل من بوابة الملعب تسمع الهدير. يعلّق أحد الداخلين «يبدو في جمهور». وما ان تدخل الى المدرجات حتى تفاجأ بالعدد الكبير.. خمسة، عشرة خمسة عشر ألفاً وأكثر وما زالت الجماهير تدخل وتنتشر كالنمل. يزداد العدد تدريجياً حتى يتجاوز الثلاثين ألفاً. نجحت الحملة الترويجية. مبروك للجميع. جمهور من كل الفئات والأعمار، صبايا وشباب وأولاد وكبار، الكل لبّى النداء وحضر لمؤازرة المنتخب.
العنصر النسائي حاضر بقوة في المدرجات، الفتيات لم ينسين التبرّج فقدمن على آخر طراز، فالمسألة فيها واجب وطني ويجب أن تكون «العدة» مكتملة.
الساعة 16.55 يدخل اللاعبون على وقع هدير المدرجات. مشهد مؤثر اشتاق اليه كل مشجع لكرة قدم في لبنان. مشهد لم يصدّقه اللاعبون وهم يدخلون خلف علم لبنان، والمدرجات تهتف بصوت واحد «لبنان». يحاول عريف المباراة ناصر بختي قراءة أسماء اللاعبين والطلب من الجمهور عدم اطلاق المفرقعات النارية. القصة فيها غرامة للاتحاد اللبناني «والجيبة ما بتحمل». يُعزف نشيدا البلدين و«ما حدا سامع» فالمدرجات تهدر.
الساعة الخامسة تماماً. تنطلق المباراة والتشجيع مستمر من كل صوب. من يسار المنصة الرئيسية ومن يمينها ومن المدرج الكبير المواجه. الكل يهتف قبل أن ينفجر الملعب. انها الساعة 15.15 ولبنان يسجل هدف التقدم. فعلها حسن معتوق وأشعل الملعب. خمس دقائق ويتعرّض معتوق الى خطأ على مشارف المنطقة لا يحتسبه الحكم. يتنبه أحد المشجعين قائلاً «أنا خايف من الحكام ما يعملوا اللعبة». يجيبه زميله «ما تخاف الحكم ياباني أصلي». ينقطع الحديث مع صراخ وهرج ومرج في المقاعد أسفل المنصة، يستنفر الدرك قبل أن يتبينوا الموضوع. هل تذكرون الفتاة صاحبة الماكياج والشعر المستعار والرموش؟ هي التي أحدثت الضجة لكن السبب وجود صرصور خلفها على الأرض. يتدخل احد القبضايات ويدعسه. تنتهي المسألة ويخاطب الرقيب أول زميله الدركي «زعيتر مشي الحال نزال لتحت».
الساعة 17.37 الكل ينشغل عن المباراة، فأحد المشجعين دخل الى ارض الملعب و«فتح حديثاً» مع الحارس زياد الصمد. كلام وعناق.. فيتنبه الحكم ويوقف المباراة. يحيّيه المشجع ويخرج غير متنبه الى الدركي الذي انطلق راكضاً خلفه ولحقه آخر مستقلاً عربة «أبو شاكر» المخصصة لنقل اللاعبين المصابين. يأخذون المشجع على النقالة ويصل الى قرب المنصة ملوحاً للجمهور الذي يهتف عيب يا وطن، عيب يا وطن».
دقائق وينهي الحكم الياباني الشوط الأول ليأخذ الجميع «نفس» وتبدأ فترة استراحة المحارب قبل بدء الشوط الثاني. الجميع فرح ومرتاح، لبنان متقدم 1 - 0 و«أحسن من الكويتية المعصبين».
الشوط الثاني يبدأ على وقع مطالبة عرّيف المباراة بختي الجمهور بعدم تسلّق أعمدة الإنارة. ست دقائق ويعمّ السكون الا من جهة واحدة، جهة الجمهور الكويتي. مساعد ندا عادلَ للكويت. تنتبه الى وجود ما يقارب الـ1500 مشجع مع عدة التشجيع كاملة. «ستاند» ومكبرات صوت وأعلام الكويت وصور الأمير. ويبدأ الرقص الخليجي الممزوج بدبكة. وهناك صبايا بكثرة وأيضاً بـ«عدّة التبرج كاملة، وما حدا أحسن من حدا».
الهدف أصاب الجمهور اللبناني بالصدمة يضاف اليها توقيف المباراة من حكم المباراة والسبب «اللايزر». أحد المشجعين يوجّه «اللايزر» الى وجوه اللاعبين الكويتيين. ست دقائق واللعب متوقف والجمهور بدأ يغضب ويطلق موشحاً بنفحة سياسية. مرة جديدة يطالب بختي بعدم استعمال «اللايزر»، ليأخذ قائد المنتخب رضا عنتر «الميكروفون» مخاطباً الجمهور بكلمة واحدة «روقوا». كلمة كان لها مفعول السحر حتى نهاية المباراة.
النتيجة تعادل على أرض الملعب وانتصار كبير على المدرجات، وتأسيس لمرحلة يستطيع فيها اتحاد كرة القدم أن يضرب على الأرض ويقول «الجمهور سيعود وليتحمل الجميع مسؤولياته». مرحلة يجب أن يكون الجمهور اللاعب الأساسي فيها. هي لعبة لا يمكن أن تعيش من دون جمهور، وهي لعبة حتى حين تكون مريضة تبقى الأروع.



الحملة أكثر من ناجحة

رأى رئيس الاتحاد هاشم حيدر أن حملة دعوة الجماهير التي ارتفعت وتيرتها في الأسبوعين الأخيرين أكثر من ناجحة، وهناك حملات أخرى بغية إعادة الروح الى اللعبة التي أرهقتها المشاكل في المرحلة السابقة، وأكد أيضاً أن «زمن الهزائم ولّى» ضارباً موعداً جديداً في 15 تشرين الثاني المقبل ضد المنتخب الكوري الجنوبي العملاق.