لا أحد يمكنه هزم برشلونة، بل لا أحد يمكنه إيقاف ليونيل ميسي. هذا أقل ما يمكن قوله عن أداء الفريق الكاتالوني، ونجمه الأرجنتيني في مباراة الأمس، حيث حسم الانتصار الكبير برباعية نظيفة سجلها ميسي (17 و82) وشافي هرنانديز (24) وسيسك فابريغاس (45)، مسائل عدة بالنسبة الى «البرسا»، وانسحاباً الى العالم الكروي، الذي توقّع كثيرون فيه إمكان إحراج سانتوس لبطل إسبانيا وأوروبا.الحقيقة أن برشلونة أجبر العالم أمس على الاعتراف بأنه لم يخسر شيئاً من قوته رغم أنه لا يقف حالياً في صدارة «الليغا»، ولا يتأثر بغياب أي لاعب عن صفوفه عشية أي مباراة كبيرة، إذ إن ظروف لقاء حاسم تحوّل لاعبي برشلونة الى «وحوش» تلتهم كل ما يعترض طريق وصولها الى اللقب. وهذا فعلاً ما حدث أمس، إذ دخل الكاتالونيون اللقاء وحرقة خسارة دافيد فيا لم تغب عنهم، فارتدوا قمصاناً كتبت عليها عبارة تشجيعية للمهاجم الدولي، الذي يعاني إصابة قوية قد تؤثر في بقية مسيرته. وفي هذا السياق لعب برشلونة من دون رأس حربة صرف، لكن تأكد أن ما حصل أمام ريال مدريد لم يكن مجرد صدفة، إذ فعلها المدرب جوسيب غوارديولا من دون أن تحمل تشكيلته أي لاعب محسوب على مركز المهاجم، فحتى الكسيس سانشيز، الذي يمكنه شغل هذه المهمة، رغم أنه اعتاد اللعب خلف المهاجمين، أو على الجناح، لم يكن حاضراً، فكان سر النجاح ترك حرية التحرك لميسي، الذي لا يمكن وصف قدراته بعد الآن، فهذا النجم يبدو من كوكب آخر، لا بل لا تصح مقارنة أي لاعب به، مهما كانت موهبة هذا الأخير.
وهنا سقطت نظريات «الملك» البرازيلي بيليه مجدداً، بل هي أثارت سخرية العالم أجمع، لتضاف الى مسلسل توقعاته وتصاريحه غير المبنية على أسس صحيحة، فهو إذ أطلق تصريحاً نارياً بأن سانتوس أعرق من برشلونة وسيقضي على الأخير في المواجهة المباشرة بينهما، لم يظهر الفريق البرازيلي أنه قادر على مجاراة لاعبي «البرسا» حتى في الركض، وذلك رغم المواهب التي يختزنها في صفوفه، والتي قيل إنها ستعبر قريباً الى أوروبا لتطبع ملاعبها بطابعها الخاص، وعلى رأسها غانسو ونيمار. وعند الأخير تسقط نظرية أخرى لبيليه، الذي سبق أن أكد في مناسبات عدة أن نيمار أفضل من ميسي، على غرار ما أشاد سابقاً أيضاً بالبرتغالي كريستيانو رونالدو، متحدثاً عن ميزاته التي لا يملكها الأرجنتيني. هدفا ميسي غير القابلين للوصف بالنظر الى الذكاء الرهيب والفنيات العالية التي استخدمهما «البرغوث» لهز الشباك، أجهضا تلك المحاولات التي وضعت نيمار في خانة أفضل لاعب في العالم، رغم أنه لا يمكن إسقاط مدى موهبة صاحب قصة الشعر الغريبة، التي دفعت غوارديولا الى فرض رقابة لصيقة عليه، حيث بدا جليّاً أن لاعباً كاتالونياً يضغط مباشرة على المهاجم البرازيلي فور تسلّمه الكرة.
إذاً تأكدت المعادلة المعروفة مرة أخرى، ومفادها أن ميسي لا يمكن وقفه عندما ينوي الوصول الى الشباك، كما صحت المقولة التي نادى بها بعض المراقبين الأوروبيين بأن نيمار يحتاج الى النضج حتى يتمكن من الوقوف على قدميه، إذا رحل الى «القارة العجوز» للعب مع أحد أنديتها. هذا النضج هو فني أكثر منه ذهنياً، إذ إن نيمار برهن أمس أنه لا يتصرف كالمراهقين، فخرج معترفاً بأن برشلونة لقّن فريقه درساً في كرة القدم.
وبطبيعة الحال انتزع برشلونة اعتراف العالم بأنه افضل فريق يؤدي كرة قدم جماعية، ويلعب بنمط استثنائي بغض النظر عن مدى ضعف او قوة خصمه. هذا الاعتراف حضر حتى في مدريد، حيث يتمركز العدو الأزلي ريال مدريد، متسلحاً بترسانة إعلامية لا تنفك تهاجم أبناء كاتالونيا، لكن بعد ظهر أمس كان استثنائياً، إذ حتى الصحف المدريدية أرادت الردّ على بيليه، ووجهت التحية الى برشلونة، في واحدة من المرات النادرة التي تشيد فيها
بـ «البلاوغرانا»، إذ لفت ما عنونت صحيفة «ماركا» في موقعها على شبكة «الإنترنت»، حيث زيّنت صورة لميسي بعبارة «ملك العالم»، لكن باللغة البرتغالية لا الإسبانية من باب الردّ على بيليه. كذلك، عنونت «الصحيفة المدريدية» الأخرى «آس» على صورة لميسي عبارة «البرسا الملك»، وباللغة البرتغالية أيضاً، نازعة لقب ملك الكرة عن بيليه، لتمنحه لميسي.
فعلاً لن يغالط أحد في اسبانيا وخارجها ما نشرته الصحف الإسبانية هذه المرة، ففريق برشلونة من كوكب آخر، وميسي إنسان يملك القدرات الخارقة للمخلوقات الفضائية الخرافية.