ما إن انتشر خبر تجنيس لاعب أميركي مع منتخب لبنان لكرة السلة، سبق أن لعب في إسرائيل، حتى بدأ الموضوع يتفاعل. كل موضوع يكون فيه عامل مشترك بين لبنان وإسرائيل يصبح جاذباً للرأي العام. حالات عدة حصلت سابقاً، إن كان في الفن أو في مسابقات ملكات الجمال، أما الآن فقد جاء دور الرياضة. القصة بدأت قبل نهائيات كأس آسيا 2011 حين سعى اتحاد اللعبة الى تجنيس لاعب كي يدعم منتخب لبنان، كما حصل سابقاً مراراً.

والتجنيس لا ينحصر بالسلة، بل هو انسحب أيضاً على كرة اليد وطبعاً ضمن صيغة لا تعني أن هؤلاء اللاعبين أصبحوا لبنانيين. فجواز السفر الذي يحصلون عليه هو صوري ولا يعطيهم حقوق أي نوع من المكتسبات، ويتم سحبه ما إن ينهي اللاعب الفترة المتفق عليها. هو جواز سفر صادر عن الأمن العام اللبناني، لكن بشكل صوري ضمن صيغة أصبحت شائعة بهدف دعم الرياضة اللبنانية نظراً إلى الحاجة الماسة لهؤلاء اللاعبين.
وهي ليست المرة الأولى التي تحصل، لكن هذه المرة تفجرت بهذا الشكل نظراً إلى مشاركة هوسكين في البطولة الإسرائيلية. اللجنة الأولمبية تحركت سريعاً وطلبت من اتحاد اللعبة استدعاءه الى لبنان وتوقيف مشاركته مع المنتخب الموجود في البطولة العربية في قطر حالياً.
في هذا الوقت، بدأت تتلاحق السيناريوهات لما سيحصل، إقالة الاتحاد أو استقالته، منع اللاعب من العودة الى لبنان، الى جانب سيناريوهات أخرى كالسماح له باللعب مع فريق الشانفيل الذي يدافع عن ألوانه كلاعب أجنبي في البطولة، من دون السماح له بتمثيل لبنان في المسابقات المقبلة.
لكن أموراً عدة يجب التوقف عندها في هذا الموضوع. أولاً أن المسألة تتعلق بالرياضة وبلاعب محترف لا يفرق بين بلد وآخر، كما أن هناك عدداً من اللاعبين سبق أن شاركوا في البطولة الإسرائيلية ثم أتوا ولعبوا في لبنان، ومنهم براندون كورتز لاعب فريق تبنين الذي لعب مع فريق أشكلون الإسرائيلي عام 2005، كما أن هناك لاعب الرياضي آيس كاستس الذي شارك في الدوري الإسرائيلي أيضاً. ومن هنا لا يمكن اعتبار مشاركة لاعب مع منتخب لبنان سبق أن لعب في إسرائيل فضيحة، في حين يمكن لهذا اللاعب المشاركة مع الفرق اللبنانية في البطولة المحلية. صحيح أن الحالة الأولى تتعلق باللعب باسم لبنان، لكن المبدأ واحد وهو أن هناك لاعباً شارك في بطولة إسرائيلية ثم عاد وشارك في البطولة اللبنانية. فإما أن يصدر قرار عن وزارة الشباب والرياضة يمنع استقدام أي لاعب سبق أن شارك في إسرائيل، أو يتم التعامل مع جميع اللاعبين انطلاقاً من المنطق عينه، سواء شارك مع المنتخب أو مع الفرق. فهل الفرق المحلية ليست لبنانية، في حين أن المنتخب هو لبناني؟
واللافت أن هوسكين جاء الى لبنان بعد مشاركته في موسم 2010 - 2011 في إيران وهو لعب في إسرائيل قبل سبع سنوات، وحضر الى لبنان عن طريق تركيا آتياً من الولايات المتحدة، لا عن طريق الأردن آتياً من إسرائيل.
كذلك فإن موضوع هوسكين ليس جديداً، فهو شارك مع منتخب لبنان في بطولة آسيا في آب الماضي، ونوقش موضوعه في جلسة اتحادية قبل شهر ونصف بعد إثارته من قبل عضو الاتحاد ياسر الحاج، الذي أبلغ الأعضاء بأن الأمن العام سيتصل بالاتحاد، لكن ذلك لم يحصل، وبالتالي فإن الموضوع معروف سابقاً ولم تتم إثارته سوى الآن.
والجميع يعلم أن طريقة استقدام هوسكين جاءت بعد مخاض عسير، حيث بدأ الوقت يضغط خلال فترة الاستعداد لبطولة آسيا، وكانت مصلحة منتخب لبنان تجنيس لاعب بسرعة حرصاً على صورة مشرّفة للبنان في البطولة الآسيوية.
وهذا ما دفع البعض الى الاسترسال في التحليل، فكان هناك حديث عن رغبة بتطيير الاتحاد عبر إقالته أو استقالته طواعية. وهنا يمكن التساؤل لماذا يجب على الاتحاد أن يُقال أو يستقيل؟ فإذا كان السبب هو تجنيسه للاعب يعلم أنه شارك في إسرائيل، فحينها لا يجب المطالبة باستقالة الاتحاد، بل بإحالة أعضائه على النيابة العامة ومحاكمتهم. أما اذا كان سبب الاستقالة هو التقصير في التحري عن اللاعب، فحينها يمكن المطالبة باستقالة الاتحاد، لكن يجب أيضاً محاسبة وزارة الشباب والرياضة والأمن العام اللبناني اللذين يشتركان في إصدار جوازات سفر للاعبين.
البعض رأى أن المطالبة بالاستقالة هي لأسباب انتخابية، وقد ذهب البعض في مخيلته الى اعتبار أن الرئيس السابق للاتحاد بيار كاخيا هو وراء الموضوع. لكن، وبغض النظر عن جدارة كاخيا بتسلّم الرئاسة وخصوصاً بعد فترة ولايته الناجحة، إلا أن استقالة الاتحاد لا تعني مجيء كاخيا على حصان أبيض. فانتخابات السلة التي من المفترض أن تقام العام المقبل بعد الأولمبياد معقدة جداً، وتأتي ضمن منظومة واسعة من انتخابات الاتحادات الأخرى وانتخابات اللجنة الأولمبية وطموح بعض المفاتيح الرئيسية في الجمعية العمومية للاتحاد بهذا المنصب واحتمالات المقايضة مع اللاعبين الأساسيين في الانتخابات الأولمبية. كذلك فإن موضوع إقالة الاتحاد يمكن الحديث عنه بعد خروج منتخب الرجال من البطولة العربية وطريقة إعداد المنتخب ومساءلة الأطراف التي عرقلت هذا الاستعداد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، علماً بأن اتحاد السلة قد يأتي ويقول «إنني الاتحاد الوحيد في الألعاب الجماعية الذي حقق ميدالية ذهبية للبنان عبر منتخب السيدات».
ولا تتوقف المسألة عند منتخب لبنان، فهوسكين يلعب مع فريق الشانفيل، متصدر البطولة المحلية، وما إن حكي عن موضوعه حتى بدأ الحديث عن استهداف للشانفيل ومحاولة عرقلته بعدما ظهر بصورة الفريق القادر على إحراز اللقب. وهنا لا بد من اتهام أحد (على الطريقة اللبنانية) فكانت «شماعة» الرياضي الأفضل في هذه الحالة، ما حوّل الموضوع الى استهداف إسلامي لناد مسيحي، ومحاولة لضرب محاولاته لانتزاع اللقب من الرياضي. وينطلق أصحاب هذا السيناريوه من نقطة ترؤس نائب رئيس الاتحاد جودت شاكر، الذي يمثل الرياضي في الاتحاد، للبعثة اللبنانية الى كأس آسيا والتي كان هوسكين أحد أعضائها.
من جهتها، أصدرت الجمعية اللبنانية لدعم قانون مقاطعة إسرائيل بياناً رأت فيه أن تجنيس هوسكين يمثّل خرقاً فاضحاً للقوانين اللبنانية التي توجب مقاطعة إسرائيل، ويمثّل جريمة يعاقب عليها القانون الصادر في 23 حزيران 1955 لمقاطعة إسرائيل.
هو موضوع كمعظم المواضيع اللبنانية، سيناريوهات ونظريات مؤامرة واستغلال لمصالح شخصية، فهل سيعالج الموضوع بطريقة منطقية، أم سيبحث المسؤولون عن «كبش محرقة» يجري إلصاق المسؤوليات به؟