لوكاس بودولسكي، اسم ضجّ في العالم الكروي خلال مونديال 2006، حيث خرج الألماني القوي البنية حاملاً جائزة أفضل لاعب شاب في النهائيات التي استضافتها بلاده. جائزة كانت خطوة ثانية في مسيرته اليافعة؛ إذ سبق أن سجّل خطوة أولى بتوقيعه عقداً ينقله إلى العملاق البافاري بعد المونديال المذكور. لكن هذه النقلة لم تكن سوى خطوة ناقصة أعادت في ثلاثة مواسم «الأمير بولدي» خطوات عدة إلى الوراء. العودة إلى كولن لم تكن مظفرة في موسم 2009-2010، حيث سجل بودولسكي هدفين فقط في 27 مباراة مع الفريق، ورغم أن تحسّناً طرأ على مستواه التهديفي في الموسم التالي، حيث سجل 13 هدفاً في 32 مباراة، ذهب النقاد الألمان بعيداً، مشيرين إلى أن اللاعب البولوني المولد لن يرتقي أبداً إلى حجم التوقعات التي نصّبته النجم القادم في سماء الكرة الألمانية. لكن كل هذه التوقعات سقطت من جديد في الموسم الحالي؛ إذ لم يكن بالإمكان تخيّل ما كان سيحدث لكولن لولا وجود بودولسكي في صفوفه. وهنا تتحدث الأرقام عنه، فهو سجل 14 هدفاً في 15 ظهوراً له في «البوندسليغه» إلى إمراره خمس كرات حاسمة، وهو غاب عن دورٍ في 8 أهداف فقط من أصل 27 سجلها كولن خلال النصف الأول من الموسم، فصحّت وجهة نظر مدرب ألمانيا يواكيم لوف الذي رفض مراراً إبعاد «بولدي» عن تشكيلته الأساسية مهما تبدلت الظروف، مختصراً إصراره بعبارة: «لا نعرف متى تتفجر موهبته».
لوف الذي ضغطت عليه الصحافة الألمانية مراراً لإبعاد بودولسكي عن «المانشافت» وسط تألق لاعبين عدة في مركزه، ومنهم النجم الصاعد ماريو غوتزه وأندريه شورلي، بقي الوحيد المؤمن بقدرات المهاجم الأشوَل صاحب التسديدات الصاروخية، فتفجّرت فعلاً موهبة الأخير هذا الموسم، وعاد محطّ حديث الجميع في ألمانيا، وامتداداً إلى أوروبا، حيث تصطف أندية عدة خاطبة ودّه، وقد وصل عددها إلى 15 من إنكلترا وإيطاليا وتركيا وروسيا، بحسب ما أشار المدير الرياضي لشالكه هورست هيلدت الذي كشف علناً أن ناديه مهتم بضم بودولسكي إلى صفوفه.
أزمة ثقة بالنفس
التحليل المنطقي للمراحل التي مرّ بها بودولسكي تشير إلى أن اللاعب عاش أزمة ثقة بالنفس، لا بل إن رفضه التفكير في العروض التي قُدّمت إليه للرحيل عن كولن توضح أنه أصبح لديه خوف من الإقدام على خطوة فاشلة مشابهة لتلك التي نقلته إلى بافاريا؛ فهو وافق على الحصول على راتب أقل لتأمين العودة إلى كولن، حيث يشعر بدفء الجماهير التي تعدّه نجمها الأول. كذلك، بدا حنينه إلى ناديه الأم في جوانب عدة؛ إذ يقوم أسبوعياً بزيارة لأكاديمية النادي حيث نشأ وترعرع.
هذه الأزمة كانت السبب في دفع نوادٍ عدة إلى عدم إبداء اهتمامٍ ببودولسكي عندما أعلن أنه سيرحل عن بايرن ميونيخ، ويبدو أنه لهذه اللحظة لا يزال البعض لا يثق في إمكان تأديته دائماً المستوى نفسه، وهذا ما خلق أخيراً مشادة بين مدرب بوروسيا دورتموند يورغن كلوب ونجم كولن نفسه؛ إذ قال الأول تعليقاً على الشائعات التي ربطت فريقه بالمهاجم الدولي: «بودولسكي لاعب رائع، لكن أهميته مبالغ فيها؛ فهو من الصعب عليه التأدية على أعلى مستوى بشكلٍ دائم. بقدراته يفترض عليه أن يكون أفضل مهاجمي الدوري، لكنه ليس كذلك، بل مرّة كل بضعة أسابيع يجعل سعره غالياً علينا».
وكان ردّ بودولسكي بلهجة قاسية، قائلاً: «ربما هو حزين لأنني رفضت عرضهم مرتين، لكن أعتقد أنه محق؛ فهم أنهوا دور المجموعات في دوري أبطال أوروبا في المركز الأخير، لذا، أنا غالٍ جداً عليهم». لكن للكثيرين رأي مخالف تماماً لما قاله كلوب؛ إذ إن لوف مثلاً يرى أن بودولسكي أكمل عملية النضج الضرورية، بينما خرج «القيصر» فرانتس بكنباور معلّقاً على الأقاويل التي ربطت «بولدي» بانتقالٍ إلى الخارج، مشيراً إلى أنه يمكنه بسهولة إثبات جدارته في فريقٍ مثل برشلونة الإسباني أو مواطنه ريال مدريد.
المهم أن «الأمير النائم» صحا من سُباته العميق، حاملاً أنباءً جيدة إلى ألمانيا كلها قبل أشهر قليلة على كأس أوروبا 2012، فهو إذ أكمل الموسم على هذا الإيقاع، سيكون «المانشافت» في أفضل حالاته في الصيف المقبل.