في يومٍ من الأيام، خرج المدرب البرتغالي الفذ جوزيه مورينيو، كاشفاً أنه يستمتع بالعمل وسط الضغوط والظروف الصعبة، معللاً أن هذه الأجواء هي التي تعطيه الدافع ليستمر في العمل ضمن المجال التدريبي. تصريح رافق وصول مورينيو إلى ريال مدريد قبل بداية الموسم الماضي، حيث عرف في قرارة نفسه أن الضغوط سبقته إلى «سانتياغو برنابيو» بفعل مطالبة الجمهور العريض بالنتائج الإيجابية بعد غياب النادي الملكي عن الألقاب وخضوعه أمام سطوة عدوه الأزلي برشلونة. لكن بعد استقراره في إسبانيا، أدرك مورينيو أن الكثير من «الألعاب» التي استمتع بها في البرتغال وإيطاليا وإنكلترا لن يكون بمقدوره ممارستها في بلاد «الليغا»، فأخذ يستغني عنها تباعاً؛ إذ يمكن ملاحظة أنه منذ فترة بعيدة لم يهاجم أياً من مدربي الفرق المنافسة لفريقه، وبعدها تقلّصت مشاداته مع الصحافيين. وفي الشق الأول، يمكن القول إن «مو» استنتج أن لا أحد سينجرّ إلى زواريب المشادات الإعلامية، وعرف بأن الكثير من العمل ينتظره مع فريقه، أضف أن الصحافيين في إسبانيا غيرهم في إنكلترا؛ إذ جلّ تركيزهم ينصبّ عادة على أداء ريال مدريد، فيستجوبون مورينيو في مواضيع «الميرينغيز» دون سواها، وخصوصاً أن صحافة العاصمة هي موالية للفريق الملكي، وبالتالي تحاكي المدرب في كل تفصيلٍ صغيرٍ.وإذا كان مورينيو يعشق الصعوبات، فما مرّ به في موسمه الأول مع الريال لم يخلُ من وجع الرأس؛ إذ إن المهمة التي قدِم من أجلها لم تتم، ألا وهي إخضاع برشلونة الذي ظفر على حساب نادي العاصمة بأهم لقبين، أي الدوري المحلي ودوري أبطال أوروبا. ورغم خروج الـ«سبيشال وان» وفريقه بكأس الملك على حساب الكاتالونيين، فإن الانتقادات طالته من الداخل، متهمة إياه بالذعر عند مقابلة «البرسا»؛ إذ بدا واضحاً في الموسم الماضي أن فريقه هاجم بوحشية كل خصومه، لكنه عندما كان يصل لمقابلة برشلونة، كان ينكفئ إلى الدفاع، ومارس الإرهاب ضد نجوم «البلاوغرانا» مع ما يرافقه من تكسير على أرض الميدان...
انتقادات عادت لتطل عندما خسر الفريق أمام ليفانتي مطلع الموسم الحالي، ثم عند سقوطه أمام برشلونة في «سانتياغو برنابيو» قبل أسابيع قليلة، وذلك وسط تجرؤ البعض على تحميل مورينيو مسؤولية أخطاء فنية أدت إلى «البهدلة» التي تلقاها الريال على أرضه، وذهب البعض إلى سؤاله عن الذريعة التي سيخرج بها هذه المرة بعدما فاضت انتقاداته للحكام المحليين والأوروبيين عند كل خسارة في «إل كلاسيكو».
لذا، رغم الدعم الذي يلقاه من لاعبيه، ورغم بقاء فريقه على رأس لائحة الترتيب العام، يقول البعض الآخر اليوم إن «مو» يدرك أمراً جديداً الآن، هو أن «الليغا» غير الدوري الإنكليزي أو الإيطالي. فهو إن تمكن من هزيمة «البرسا» عندما أشرف على إنتر ميلانو الإيطالي قبل موسمين، فإنه غير قادر حالياً على إسقاط الفريق الذي لا يقهر في مواجهة مباشرة بينهما؛ إذ حتى لو اعتمد تلك الخطة التي حكى عنها العالم كثيراً، أي الدفاع ولا شيء سواه، فإن رجال المدرب جوسيب غوارديولا لديهم الأسلحة اللازمة لتفجير أي حائط يبنيه أمامهم داخل منطقة الجزاء.
مورينيو يحنّ إلى الأمجاد وإلى الإشادات بأنه أفضل مدرب في العالم، وهو بدأ بوضع الخطة لإيجاد مخرجٍ إن فشل مجدداً مع ريال مدريد. وبتصريحه أمس، فتح الباب أمام الأندية الإنكليزية لوضعه ضمن حساباتها؛ إذ إن آخر شيء يريده هو الجلوس من دون عمل بعيداً من المهنة التي يعشقها. والأكيد أن البرتغالي صاحب الشخصية الثورية بدأ يشعر باليأس من الأجواء السلبية التي أُحيطت به في مراحل مختلفة، فبعث برسالة إلى الـ«برميير ليغ» الذي رسم هالة استثنائية فيه. لذا، ليست مبالغة القول إنه قد يعود قريباً وقريباً جداً إلى أحد أكبر الأندية؛ فيجب عدم نسيان أن «السير» الاسكوتلندي اليكس فيرغيسون لن يطيل المشوار أكثر مع مانشستر يونايتد، بينما في المقلب الآخر من المدينة هناك الإيطالي روبرتو مانشيني الذي يسعفه حالياً وقوفه في صدارة الدوري بعد الخروج المخزي من دوري الأبطال، ودعسة ناقصة أخرى قد تطيحه وتعيد مورينيو إلى الأرض التي تحتضن هواياته المعروفة.