كرة القدم هي اللّعبة التي قد تعكس ثقافة الشعوب وانتماءاتهم. أحد عشر لاعباً فوق أرضية الملعب والثاني عشر يجلس في المدرجات. يكتب ويحفر في ذاكرته أجمل اللحظات وأسوأها. أسماء كثيرة عبرت خلّدت في تاريخ بلادها، «مانولو» وطبلته رافقت إسبانيا منذ مونديال 1982. «راعي البقر البرازيلي» كلوفيس أكوستا فرنانديز أشهر مشجعي «السامبا». ولأن الجمهور «عَصب» اللّعبة خصّص الاتحاد الدولي لكرة القدم جائزة تحت عنوان «الجمهور الأفضل». وبعيداً عن الكرة العالمية فالمدرجات المحلية في الدوري اللّبناني تحتضن فيها الكثيرين ممن حملوا القصص ووقفوا جنباً إلى جنب مع فرَقِهم في المرّة قبل الحلوة. «الأخبار» بحثت عن بعض هؤلاء وتحدثت إليهم.البداية كانت من حارة حريك، حيث يجلس في ملعب شباب الساحل عصر كل يوم شيّخا الجماهير البالغان من العمر 71 سنة. أحمد سليم ووصفي علي أحمد الصديقان اللّذان لم يتركا أي مباراة للفريق إلا وتابعاها حتى مباريات الفئات العمرية والشباب. ذاكرتهما لم تشخ بعد فهما يتحدثان عن الفريق بكل التفاصيل. بدأت قصتهما مع النادي عام 1961 قبل أن يحصل على رخصة اللعب في الدوري، يومها كان ملعب النادي الذي تتوافد إليه الجماهير في «بورة» الحديد المكان الذي تقع فيه مدرسة المصطفى اليوم. الفريق بالنسبة إليهما يشكل طفولتهم وشبابهم بحسب قولهما. ما تغير اليوم هو الروح عند اللاعبين، فسابقاً اللاعب كان يشتري حذاءه بنفسه أما اليوم المال غيّر كل شيء. «الساحلي» كان من أول الفرق التي يلعب لها أجنبي وهو فيليب لارا الإسباني الذي عاش معهما ومع النادي قبل حصوله على الرخصة.
وفي مقاعد الأنصار يجلس «الحاج» رفيق العيتاني (80 سنة) الذي يتذكر كيف كانت الجماهير تجتمع وتجلس مع بعضها البعض بالآلاف، من دون أي شعارات طائفية أو شتائم وضغينة حتى في «دربي» بيروت بين النجمة والأنصار. لكن الحال تغير اليوم فاللعبة بنظره «باتت مشوّهة بسبب الطائفية والمال والشتيمة». لكن هذا لم يمنع من استمراره في متابعة فريقه الذي أحبه منذ الطفولة بكافة فئاته. ابن «طريق الجديدة» يعتبر الفريق نزهة السبت والأحد واختياره تشجيع هذا النادي يعود إلى عاملٍ جغرافيٍ أيضاً.
إلى «أبو قاسم» الذي يعمل كخياط. «العميد» في مدرج بطل لبنان نادي العهد. يقول «العهد القصة كلها»، معتبراً أن «العهد يشكل حالةً جديدة خالية من الشتائم». ولا يبالي برأي الآخرين بالعهد: «الفريق الذي يصبح منافساً يصبح مكروهاً في الوسط الرياضي». أبو قاسم الذي يبلغ من العمر 55 سنة بدأ بمتابعة العهد منذ أن كان شاباً، في سن الـ 17 (أي قبل أن يصير العهد عهداً كما نعرفه بكثير) وحتى بعد زواجه كان يصطحب أولاده إلى الملعب «خمسة على موتسيك» على حد قوله. أما اليوم فيعمل ابنه كمصورٍ للنادي. في ذاكرته البطولة الأولى للعهد كانت في نهائي كأس لبنان بعد الفوز على النجمة عام 2004. المباراة أقيمت في طرابلس حيث كان جمهور العهد مكوناً من خمسةٍ وثلاثين إلى أربعين متفرجاً فقط، واصفاً جمهور العهد بـ«البيتوتي» الذي لا يحضر في الملعب ولولا ذلك لامتلأت المدرجات.
ومن بيروت إلى الجنوب حيث يعيش «أبو محمد» غساني (62 سنة) مختار بلدة دير قانون النهر. أحب الصفاء منذ كان طفلاً في سن السابعة لأنه نشأ في «وطى المصيطبة»، حيث كان يلعب النادي على ملعبه الترابي المليء بالحجارة. لكنه اليوم أصبح يتابع النادي من بعيد. وبالانتقال إلى مدينة النبطية، قابلنا «أبو مهدي الدّهان»، الذي عمل في رابطة النجمة لأكثر من 15 عاماً: «النجمة كل شي نحن تربينا وكبرنا على اسم النجمة». ويتحدث الجنوبي عن «العشق المتوارث» لهذا الفريق، لكن الطائفية والشتائم التي تغلغلت في المدرجات جعلته يبتعد ليتابع من على كرسيّه في المنزل. ويرى أن الأمور اختلفت اليوم، فالجمهور يحصل على الكثير من التسهيلات، ففي السابق كانوا يحضرون قبل أربع ساعات تحت ضغوط الحرب. واختتم: «كل جيل لديه طريقته في التشجيع».
العامل الجغرافي هو أحد أبرز الأسباب الذي جعلت الناس تختار الفرق التي تشجعها في تلك الفترة. لكن الآراء اجتمعت على أن المال، السياسة، والطائفية سبب في تراجع اللعبة، وفقدانها للرونق الرياضي الذي كانت تتمتع به في الماضي.