هيكل كرة القدم المتداعي يضيف إليه اللاعب السابق والمدرب الحالي نقاط ضعف كبيرة، فيقول: «نحن نملك اليوم فِرقاً وليس أندية، لأن النادي يكون لديه كيان ونظام وأسلوب ومقرات وملاعب تدريب وصالات رياضيّة واستقرار مالي، عدا عن العقود الاحترافية والاستقرار الإداري» وهذا كله غير موجود في لبنان. يذهب أبعد من ذلك بالحديث عن عالمه اليوم وهو الفئات العمريّة، فيؤكد أن أي نادي حقيقي يكون لديه «قطاع للفئات العمريّة»، وهنا يصرّ على مصطلح «قطاع».
المدرب الأجنبي يُفكّر بالنتيجة طوال الوقت وبعقده بينما الوطني يُفكر بمصلحة النادي
في هذا الشق يطلب الحاج أن يستطرد بالحديث، وهو الذي بدأ العمل مع الفئات العمريّة في نادي العهد وبعدها في نادي النجمة، فهو يعتبر أن «أيّ قطاع للفئات العمريّة في أي نادٍ يحتاج إلى سياسة فنيّة ومدربين وتجهيزات ولجنة إداريّة وأموال» وهذا غير موجود في لبنان بشكل كامل على قاعدة أنّ لا أحد يقوم «باكتشاف لاعبين اليوم وتطويرهم»، بل يذهب أبعد من ذلك معتبراً أن الأندية اليوم من واجبها «صناعة لاعبين، ولكن ما يحصل أنّ الأندية تطلب من اللاعب الناشئ أن يعطيها، والصحيح أنّ الأندية والمدربين هم من يجب عليهم أن يعطوا الناشئين ويعملوا على تطويرهم». ويعرب عن خوفه على بعض اللاعبين الذي لا يوضعون في مكانهم الصحيح، ولا يتم الاهتمام بهم للحفاظ على موهبتهم وصقلها، ويتساءل الحاج «على أي أساس يتدرب اللاعب الناشئ وفي أي وقت وكم حصّة تدريبيّة خلال النهار؟ وما هي البطولات والدورات التي يشارك بها لتؤمن له الاحتكاك والمنافسة الحقيقيّة لتطوير مستواه؟». هنا يعطي الحاج مثالاً على ما يقوم به نادي النجمة منذ أكثر من سنتين في قطاع الفئات العمريّة، فيؤكد أن «هناك قراراً أُخِذَ في النجمة لتطوير الناشئين وتحسين أدائهم من دون إعطاء أهميّة كبيرة للنتائج، وهي استراتيجيّة أثبتت نجاحها بعد تطوير لاعبين مثل أندرو صوايا وعلي الحاج ومهدي زين ووسيم عياش وقبلهم يوسف الحاج»، وبعض هؤلاء اللاعبين بات اليوم في المنتخب اللبناني الأوّل وهذا يُحسب للنجمة. ويقول الحاج: «سياسة أُخرى تم اتباعها مع الناشئين في النجمة، وهي إشراك لاعبين مميّزين صغار السن مع لاعبين أكبر منهم في العمر من أجل كسب المزيد من الخبرة، وهو أمر أثبت نجاحه أيضاً بعد إحراز لقب الناشئين». التجربة الجيّدة للنجمة مع الناشئين يضيف إليها الحاج نموذجاً جيّداً يقدمه نادي العهد عبر المدرّب الحالي باسم مرمر «الذي يمتاز بجرأة إشراك لاعبين صغار السن مع الفريق الأوّل».
أزمة الملاعب والأندية والناشئين تنسحب أيضاً بحسب الحاج على قطاع التدريب، فهو يعتبر أن «أي مدرب يجب أن يمتلك ثقافة وفكراً كروياً»، ويؤكد أن لا مدرب كاملاً، على قاعدة أنّه لا يوجد مدرب ليس جيّداً، كما لا يوجد مدرب جيّد طوال الوقت «فالمدرب الأفضل هو المدرب الأقل أخطاءً». وحول المدرب اللبناني والمدرب الأجنبي، ينحاز الحاج للمدرب الوطني، مؤكداً أن «المدرب الأجنبي يُفكّر بالنتيجة طوال الوقت وبعقده مع النادي، بينما المدرب الوطني يُفكر بمصلحة النادي ومستقبله واستمراريّته». وحول مستقبله في التدريب يؤكد الحاج أنّه تلقى عروضاً في الفترة الأخيرة من أندية عربية، ولكن تركيزه وارتباطه الآن لا زال في لبنان. وبهدف تطوير اللعبة طالب الحاج الجمهور اللبناني بالضغط على أنديته لكي تقدم له كرة قدم حقيقية، وعدم الاكتفاء بالضغط للفوز بمباراة واحدة أو بلقب واحد، مؤكداً أن «الجمهور اللبناني يجب أيضاً أن يتحلّى بالثقافة الرياضية، وبثقافة الربح والخسارة».
مشاكل كبيرة تعاني منها كرة القدم، وهي معاناة مزمنة بحاجة إلى وقت طويل لكي تتعافى منها، وتأخذ طريق التطوّر. وهي بلا أدنى شك بحاجة أيضاً إلى عمل ومثابرة من جميع القيّمين على اللعبة ومن يعمل بها، لتصبح كرة القدم في لبنان ثقافة وأسلوب حياة كما يتمنى البعض، بينما يريد البعض الآخر أن تبقى كما هي بواقعها المؤلم. أيّام جميلة عاشتها الملاعب اللبنانيّة في بيروت البلدي وملعب برج حمّود تغيب اليوم في الصورة الملبّدة، لكن تبقى تلك الصورة حاضرة في البال: جمال الحاج، في منتصف الملعب، يصنع ويسجّل، ويحتفل مع جمهور النجمة.