على ارتفاع 90 متراً عن سطح البحر، وتحديداً في بلدة إنصارية الجنوبية، ولد يوسف جندي في آذار 1973. لسنواتٍ طويلة، كان شاطئ البحر ملعبه الوحيد. وبينما كان الأطفال يأملون الذهاب إلى مدينة ملاهٍ أو ألعاب... «كنت أتوسل عائلتي أن تبقيني على الشاطئ، أجمع الصدف، وأتأمل العمق»، يقول كأنه يدلنا إلى بداية العلاقة مع البحر.في سن مبكرة، بدأ جندي مع رجال أكبر منه سناً ممارسة هواية الصيد بالصنارة. ولكن العمق أكثر غواية. هكذا، تدرب على الغطس الحر معتمداً على نفسه، ولم يدرك أنه وصل إلى عمق 20 متراً إلا بعدما احترف الغوص واستخدم آلة قياس. مع مرور الوقت، أدرك يوسف أن الهواية ليست كافية، وأن شغفه يتجاوزها. بحث عن نواد مخصصة، إلا أنها كانت نادرة. وخلال رحلته، تعرّف الى نقيب الغواصين المحترفين في لبنان محمد السارجي، الذي كان يمتلك نادياً في مدينة صيدا. تتلمذ يوسف على يده، واحترف الغوص معه إلى أن حصل على شهادة مدرب. في 2012 تم انتخابه من قبل الهيئة الإدارية في نقابة الغواصين المحترفين مديراً للتنمية والبيئة. أما الهواية التي احترفها إلى جانب عمله في مجال الأدوية والمعدات الطبية، فسمحت له بالتعرف أكثر الى عمق بحر مدينة صور، وهذا هو العالم الحقيقي.
في 2015، قرّر جندي إنشاء ناد للتدريب على الغوص في مدينة صور، سماه «المركز اللبناني للغوص». بالنسبة إليه، هذا المركز «عصارة» جهد طويل، ويهدف إلى جمع لبنانيين محترفين وهواة في مدينة صور وفي سرير بحرها. ينتسب إلى المركز حالياً أكثر من 50 غطاساً وغطاسة محترفين، يقصدون المدينة من طرابلس وجبيل وعكار وغيرها من المناطق اللبنانية، وهم يشكلون «عائلة المركز»، بحسب جندي، حيث يمارسون هوايتهم في كل المناطق اللبنانية وفي الخارج أيضاً. ومن الناحية التقنية، فالمركز، كما يقول صاحبه، يمنح شهادات عالمية، بصفته عضواً في الاتحاد الدولي لمدربي الغوص. يمكن اعتبار تجربة جندي ناجحة، لأنها قامت على شغف. وربما، لهذه الأسباب، استقطب المركز المئات من الهواة ومن السياح اللبنانيين والعرب والأجانب، وخاصة من قوات «اليونيفيل»، حيث يصل عدد المشاركين خلال موسم الصيف إلى 500 تقريباً.
لا تنظيم جدياً لهذه الرياضة، ونادي الغوص يحصل على ترخيصه من وزارة الزراعة


إلى جانب الغطس، احترف يوسف جندي التصوير، ما ساعده على نقل تجربة الغوص من عمق البحر إلى خارجه. في ألبوماته صور تجمع بين مدينة صور الغارقة في عزلتها. يقيم يوسف مع الكائنات البحرية، ويعرفها معرفة واسعة، وخاصة السلاحف التي ساهم الإعلان عن شاطئ المدينة محمية طبيعية في الحفاظ عليها. بالنسبة إلى جندي، فإنه لم يجد في لبنان شاطئاً «أكثر نظافة من شاطئ مدينة صور، وهذا ما دفعه إلى تحدي الغواصين أن يصوروا في منطقة أخرى عائلة نباتات «سيستوزيري» (cystoseira) التي لا يمكنها الصمود إلا في المناطق البيئية النظيفة». لكن حبه للشواطئ لا يقف على منطقة واحدة، فحالة العديد من الشواطئ اللبنانية برأيه «تدمي القلب» لناحية التلوث، وإضافة إلى الدراسات البيئية التي أصدرها مركز علوم البحار، لمس «الغواص» التلوث بنفسه عندما ذهب إلى القعر. في الواقع، شارك جندي في أبحاث بيئية لدراسة شاطئ صيدا، وعاين بنفسه عصارات النفايات من الجبل السابق. إلا أن أقسى التجارب بالنسبة إليه كانت الغطس في البحر مقابل الكوستا برافا. ويتحدث عن هذا الشاطئ بحسرة، مؤكداً أنها أسوأ من التجارب التي عاشها في انتشال الجثث أو معالجة أنابيب الصرف الصحي. الشاطئ مقتول.
ورغم أن صور «نظيفة» في بحرها، إلا أن جندي يؤكد أن لا تحركات رسميّة للحفاظ على بحر صور أو على الآثار الغارقة فيه... «على الرغم من أن ثروة كبيرة لا يزال يحتضنها وسنوات طويلة لا تكفي لاكشتافها»، كما يأسف من أن لا تنظيم جدياً لهذه الرياضة، مستشهداً بأن نادي الغوص يحصل على ترخيصه من وزارة الزراعة. بالنسبة إلى جندي، هناك عدد من الخطوات التي يجب أن تتخذ من أجل الحفاظ على بحر مدينة صور، مشيراً إلى أن هناك سعياً من أجل إعلان مناطق أخرى تابعة للمدينة كمحميات أو حمى طبيعية. في أي حالة، يأمل جندي أن تتسع المشاركة في رياضته، حيث إن الشروط التي تفرضها على أي غواص تجبره على تحسين نمط حياته وجعله صحياً، إضافة إلى أن هذه الرياضة تنظف الرئة، من دون أن ننسى، أن منطقة «الجمل» في صور تعدّ «بركة طبيعية».



المركز اللبناني للغوص
في حزيران 2017، شارك المركز اللبناني للغوص مع الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية في مشروع بحثي حول ملف إدارة النفايات.
درّب المركز الطفل علي بيطار (13 عاماً) ليكون أصغر غواص في العالم خلال رحلة إلى شرم الشيخ المصرية في كانون الأول 2017.
في تموز 2016، أصدرت شركة بريد ليبان بوست طابعاً بريدياً مميزاً يحمل صورة من تصوير المركز تتألف من 9 أسماك من نوع سلطان إبراهيم ذهبي.