لا يمكن اعتبار الدوري اللبناني وجهةً مهمة بالنسبة الى الكشّافين الباحثين عن مواهب أجنبية لنقلها الى بطولات عربية أو اوروبية اهم، إذ نادرة هي الحالات التي شهدت انتقال لاعبٍ من لبنان الى دوري اعلى على صعيد المستوى الفني، ما يفرض التوقّف عند اي حالة من هذا النوع.ومما لا شك فيه ان حالة هداف الدوري في الموسم الماضي السنغالي الحاج مالك تال، المنتقل حديثاً الى نادي أُحد السعودي، تعيدنا بالذاكرة الى حالات قليلة مشابهة او اهم. كما تفتح الباب للحديث عن اسباب عدم ظهور الكثير من المواهب الاجنبية المميزة في لبنان او استقدام الاندية لها، وخصوصاً تلك التي تتحوّل الى هدفٍ لاندية اوروبا انطلاقاً من صغر سنها وامكانية تطورها.
المهاجم السيراليوني الشهير محمد كالون حطّ في التضامن صور عام 1994، مسجلاً في موسمه الوحيد مع «سفير الجنوب» 15 هدفاً في 24 مباراة. النجم اليافع وقتذاك لم يكن لاعباً عادياً، فهو لم يتجاوز الـ 16 عاماً، فكان من الطبيعي ان يجذب انظار اكثر من نادٍ في اوروبا عَلِم بموهبته عند انطلاقه من نادي أولد إدوارديانز، ومن ثم مع تحوّله في سن الـ 15 الى اصغر لاعب دولي في تاريخ بلاده حيث سجّل في مباراته الاولى امام الكونغو ضمن تصفيات كأس الأمم الافريقية، والتي شارك فيها عام 1996 في جنوب افريقيا، وسجل هدفاً في مرمى بوركينا فاسو.
انتقل كالون سريعاً الى سبانغا السويدي، لكن هذا النادي لم يكن سوى محطة توقّف تمهيداً لنقله الى انتر ميلانو الايطالي عام 1995 في صفقةٍ قيل وقتذاك إن قيمتها بلغت 500 الف دولار، لكنه لم يلعب مع «النيراتزوري» حتى عام 2001 حيث بقي معاراً لأكثر من نادٍ بدءاً من لوغانو السويسري.
الحاج مالك هو آخر الأجانب الذين انتقلوا إلى دوري أعلى مستوى بعد بروزهم في بطولة لبنان (عن الويب)

نقطتان مهمتان في هذه النقلة: الاولى هي أن قلّة تعلم انه عند وصول كالون الى لبنان، كان رأي الجهاز الفني للتضامن صور، بقيادة المدرب فؤاد الحلبي، أن اللاعب لن يفيد الفريق. اما النقطة الثانية فهي ان النادي الجنوبي لم يستفد بأي شيء مادي من عملية انتقال كالون، وهو ما يعكس صورة حول طريقة عمل الاندية اللبنانية، إن كان على صعيد التقييم الصحيح للاعبين الاجانب فنياً، أو من خلال ادراكهم كيفية الاستفادة منهم مالياً، وهو شقّ يرتبط بالادارات تحديداً.
وحالة كالون لم تكن الوحيدة في هذا الاطار، اذ انه لا يمكن معرفة كيف وصلت موهبة بحجم المهاجم الكاميروني بيار بويا للعب مع السلام زغرتا، وذلك في موسم 2002-2003. ابن الـ 18 عاماً وقتذاك سجل 15 هدفاً في 27 مباراة للفريق الشمالي، لكن بدايته كانت صعبة حيث لم يتمكن من هزّ الشباك، فكان التفكير باستبداله بين مرحلتي الذهاب والاياب. اما المفاجأة الكبيرة فكانت في ختام الموسم عندما انتقل بويا الى بارتيزان بلغراد الصربي بعقد وصلت قيمته الى مليون يورو، لم يحصل منها السلام ايضاً على اي شيء، كون عقد الكاميروني كان قد انتهى معه، ليتنقل بعدها في اوروبا ويلعب مع عدة اندية معروفة، مثل رابيد بوخارست الروماني وغرونوبل الفرنسي.
بعدها تكررت الحالة مع قدوم المهاجم السنغالي ماكيتي ديوب الى النجمة، حيث كان هناك اعتراض اداري في البداية على ضمّه وتمّت تجربته لشهر كامل، قبل ان يوقّع ويتوّج هدافاً للدوري اللبناني في موسم 2009-2010 بـ 23 هدفاً في 22 مباراة (سجل 33 هدفاً في 31 مباراة في المسابقات المختلفة). واللافت ان عقده وقتذاك لم يتجاوز الـ 35 الف دولار، فانتقل بعدها الى الكرامة السوري مقابل 85 الف دولار، مواصلاً تألقه، ليصل الى الظفرة الاماراتي مقابل 300 الف دولار، حيث سجل 101 هدف في 137 مباراة معه، فكان انتقاله الى الاهلي العام الماضي مقابل 3 ملايين دولار، من دون ان يطول مشواره اكثر في الامارات بعد دمج فريقي الشباب والاهلي، فضمّه بيجينغ رينهي الذي يلعب في الدوري الصيني الممتاز بعقدٍ تردد انه يتجاوز الـ 5 ملايين دولار.

مواهب غير محمية
ومع استعراض الحالات الثلاث المذكورة، لا تبدو المشكلة في اللاعبين، بل في طريقة ادارة الاندية لتعاقداتها، بحيث انها لا تحمي مواهبها الاجنبية (في حال وُجدت) بشكلٍ يسمح لها بالاستفادة منها عندما تقرر الرحيل. وفي حالة الحاج مالك مثال بارز على هذا الامر، اذ صحيح ان الأنصار حصل على قيمة فسخ العقد (قيل إنها وصلت الى 120 الف دولار) مع انتقال اللاعب الى أُحد لثلاثة مواسم حيث سيتقاضى 500 الف دولار، لكن القيمة الفنية للاعب ظهرت منذ مبارياته الاولى مع الفريق الاخضر، وقد ترجمها بتتويج نفسه هدافاً للدوري، مسجّلاً 23 هدفاً في البطولات التي شارك فيها معه، وبالتالي كان بالامكان الحصول على مردود اكبر من عملية انتقاله، وذلك من خلال رفع قيمة البند الجزائي.
والحالة عينها تنطبق على المهاجم المالياني أوليسيه ديالو، الذي ظهر فجأة في الملاعب الاوروبية بعد بروزه مع شباب الساحل (ثاني هدافي الدوري اللبناني في موسم 2012-2013)، منتقلاً الى نادي فرنشفاروش المجري المعروف، ومنه تنقل بين اندية برتغالية عدة اشهرها ماريتيمو، قبل ان يعود الى المجر حيث يلعب حالياً مع فريق بوشكاش اكاديميا.
تتحمل الأندية المسؤولية في عدم استقدام المواهب الاجنبية المميزة والاستفادة منها عند رحيلها


اما القاسم المشترك بين هؤلاء اللاعبين فهي انهم وصلوا الى لبنان بسنٍ صغيرة، وكانت هناك بعدها رغبة من الاندية الخارجية لضمّهم اليها بسبب صغر سنهم، بعكس غالبية الاجانب الذين وُجدوا في الدوري اخيراً، اذ لا شك ان سنّ الحاج مالك (22 عاماً) لعبت دوراً رئيساً في انتقاله الى السعودية وتوقيعه على عقدٍ طويل الأمد.
في المقابل، تعمد الاندية اللبنانية بغالبيتها الى ضم اللاعب الاجنبي لموسمٍ واحد فقط، ثم تندم على خسارته في نهايته، وذلك في حال بروزه. وهذه المسألة بدأت تفهمها الاندية، والدليل الارتباط الذي كان قائماً بين الانصار وهدافه السابق، وذاك العقد الذي لا يسمح للغاني عيسى يعقوبو بمغادرة العهد ببساطة.

نوعية الاجانب وتقييمهم
لكن لا يخفى ان هناك مشكلة حقيقية في تقييم اللاعب الاجنبي، وهي مسألة اذا ما اصابت يُفترض ان تربط اللاعب بالنادي بعقدٍ غير عادي او قصير المدة. ففي هذا الاطار، عُرض ديالو قبل انضمامه الى شباب الساحل على احد الاندية الطليعية الذي قام بتجربته ولم يوقّع معه. كما ان يعقوبو عُرض على اكثر من نادٍ محلي من دون ان يلقى تجاوباً، قبل ان يصرّ مدرب العهد السابق موسى حجيج على ضمّه، ليكون قد قدّم خدمة كبيرة لبطل لبنان، والدليل ان اللاعب مطلوب من احد الاندية الصربية حالياً.

يعتبر محمد كالون أحد أشهر اللاعبين الأجانب الذين مرّوا من لبنان إلى أهم البطولات العالمية (أرشيف)

اما اسباب عدم اقدام الاندية على هذه الخطوة، فتنطلق من نوعية الاجانب الذين تبحث عنهم في السوق، حيث تتراوح رواتبهم الموسمية بين 60 و70 الف دولار بالنسبة الى الاندية الطليعية، و30 و40 الف دولار بالنسبة الى الاندية الاخرى. وهذا يعني ان الاندية لا تجد نفسها واثقة من نوعية الاجانب الذين تتعاقد معهم، وهي تخطئ في مسألة عدم جرأتها على ضم اجانب بسنٍ صغيرة، فالكل يبحث عن النتائج، التي برأي الادارات الخائفة دائماً من الفشل يجلبها اللاعبون اصحاب الخبرة، فكان استقدام الغالبية العظمى من الاجانب وهم في سنٍّ متقدّمة.
خطوة اثبتت فشلها في اماكن عدة بحكم وصول هؤلاء اللاعبين الى لبنان وهم شارفوا على نهاية مسيرتهم او يبحثون عن تجربة تعيد اليهم الحياة في الملاعب. وهذا يحصل بدلاً من اعتماد استراتيجية اثبتت نجاحها حول العالم، وهي استقدام لاعبين اصغر سنّاً وصقلهم ثم بيعهم والاستفادة من صفقاتهم، لا بل ان اللاعب الذي ينجح في الملاعب اللبنانية، ولو نجاحاً نسبياً، ولا يستطيع الانتقال الى دوري اعلى، يعود طامعاً بعقدٍ افضل، والمثال الابرز على هذا الامر الكاميروني إرنست أنانغ الذي ارتبط بالصفاء مقابل 35 الف دولار في الموسم الماضي، لكنه طلب 65 الفاً للتوقيع مجدداً مع الفريق عينه.

خارج «حرب الكشّافين»
مسألة اخرى لا تسمح بجلب المواهب الاجنبية البارزة الى لبنان سوى بالصدفة، وهي بقاء الاندية المحلية خارج ما يعرف بـ«حرب الكشّافين» حول العالم. فهناك من القارة الاوروبية توفد الاندية كشافيها الى افريقيا وغيرها من القارات لمراقبة اللاعبين وجلبهم الى اكاديمياتها وفرقها. ولبنان بعيد كل البعد عن هذه المسألة، اذ دائماً تنتظر الاندية ما يعرضه وكلاء اللاعبين عليها، فتقوم بتجربة المئات منهم عشية انطلاق كل موسم جديد، حيث يظهر غالباً أن معظمهم لا يصلح للعب في الدرجة الثانية حتى.
وما يصعّب من مسألة استقطاب مواهب اجنبية شابة قبل ان تتحوّل الى اوروبا او الخليج العربي والبلدان الآسيوية، هو انفتاح السوق امام الكشافين في عصر السرعة والانترنت، حيث يمكن رصد اي لاعب مميز في القارات المختلفة. وبين الحاضر والماضي، تعود الى الذاكرة قصة مرور اثنين من ابرز الكرويين الذين عرفوا دائماً كيفية اختيار المواهب في زياراتهم للقارة الافريقية: سمير (أبو علي) العدو وقصته الشهيرة عندما جلب النيجيري اديمولا ايكودايسي فور مشاهدته بالصدفة وهو يلعب في احدى الساحات الشعبية في بلاده ولم يكن يتجاوز الـ 17 من العمر وقتذاك. واميل رستم الذي رصد ماكيتي ديوب بنفس الطريقة في السنغال، رغم ان الهداف المذكور كان قد خاض مشواراً قصيراً مع فريق الوطني السعودي حيث لم يُقدّر احدٌ حجم موهبته الحقيقية.


رفضوا اللعب في لبنان!
كثرت في الأعوام الاخيرة حالات رفض اللاعبين الأجانب القدوم للعب في لبنان، وكان آخرهم الغاني بنجامين أشيمبونغ، وذلك رغم فكّ الزمالك المصري لارتباطه معه على خلفيات مسلكية، إذ قيل إنه رفض عرضاً بالانضمام إلى نادي الأنصار.
واللافت أن بعض الأندية اللبنانية حاولت استقطاب أسماء معروفة، لكنها فشلت في مساعيها في نهاية المطاف، تماماً كما حصل مع العهد عام 2014 بمحاولته التعاقد مع التشيكي رودي سكاسيل الذي لعب لأندية أوروبية معروفة مثل مرسيليا، باناثينايكوس، هيرتا برلين، ساوثمبتون. وبعدها بسنة واحدة حاول العهد ضمّ المهاجم الدولي النمسوي ستيفان مايرهوفر الذي بدأ مشواره الخارجي مع بايرن ميونيخ ثم تنقّل بين أندية عدة في أوروبا. وكذلك رفض بيار بويا العودة إلى لبنان من بوابة الفريق نفسه.
وفي العام الماضي حاول النجمة التعاقد مع التونسي لسعد لنويوي لاعب ديبورتيفو لا كورونيا وسلتيك السابق، والذي رفض خوض أي تجربة مع الفريق «النبيذي»، وبالتالي التوقيع على كشوفاته. كما رصد التعاقد مع الكندي هانسون بواكاي وقبلها مع الصربي ديان كاران، لكن هذا الأمر لم يحصل لسببٍ أو لآخر.
وهذه الأسماء ليست سوى عيّنة من أسماء أخرى يقول أحد وكلاء الأعمال البارزين بأنها رفضت اللعب في لبنان، وغالبيتها من أصحاب السنّ الصغيرة. أما السبب برأيه فهو عقلية الأندية أوّلاً في التعامل مع أصحاب الأسماء المعروفة حيث المقاربة خاطئة معهم وتشبه تعاملهم مع أي لاعبٍ أجنبي مغمور عبر إجبارهم على خوض التجارب معها «وهو أمر مبرر ربما كونها خُدعت في مرات عدة من قبل بعض من يعمد الى جلب لاعبين لا يتمتعون بالمستوى المطلوب». ويتابع: «أما بالنسبة إلى المواهب اليافعة فهي لا تجد في الدوري اللبناني مكاناً للتطوّر ولا تأتي إلى ملاعبنا إلا إذا كانت بحاجةٍ ماسّة للتوقيع على عقدٍ يدرّ عليها بعض الأموال». كذلك يبرز سببٌ آخر وهو نوعية المدربين غير القادرين على تطوير اللاعب الأجنبي من خلال العمل المكثّف معه طوال موسمٍ كامل، وهو أمر طبيعي في ظل عمل كل المدربين تحت الضغوط الكبيرة فينشغلون بالحفاظ على مناصبهم، في وقتٍ يطلبون فيه من الأجنبي حمل الفريق على أكتافه وصناعة الفارق في كل المباريات.