لم يكن خافيّاً على أحد أنه كان من الصعب إيجاد ثلاثة أسماء لفتت الأنظار بشكلٍ كبير لاختيار أحدها كأفضل لاعب شاب في الدوري اللبناني لكرة القدم. فالموسم الماضي لم يعرف بروز الكثير من المواهب التي لم تزهر في ملاعبنا «الخضراء»، بل اقتصرت الأسماء الجديدة على مجموعة صغيرة جداً، وهو أمر يعكس عدم تفريخ كرة القدم اللبنانية للمواهب الشابة أو عدم إيمان الأندية بإمكانية الشبان في تغيير نتائجها إيجاباً. ولا يخفى أن ظاهرة شبه اختفاء الأسماء الشابة هي غير طارئة، حيث أن موسماً بعد آخر تتقلّص مشاركة اللاعبين الصاعدين مع الفرق الـ 12، التي لم تخرّج غالبيتها منذ زمنٍ طويل لاعبين جدد بإمكانهم تقديم الإضافة لها.ويمكن لوم الأندية في الدرجة الأولى على ما وصلت إليه الأمور على هذا الصعيد، إذ إن مستقبل هذه الأندية في يديها، لكن الأكيد أن غالبيتها لا يأخذ على محمل الجد مسألة الاستثمار الصحيح في قطاع الناشئين، والذي سيعود إليها بالفائدة من ناحيتين. الأولى هي تقليص مصاريفها مستقبلاً في فترة التعاقدات من حيث استفادتها من المواهب التي صقلتها بدلاً من شرائها من أندية أخرى. أما الثانية فهي توفير المزيد من الأموال في صناديقها بفعل بيعها لنجومها الصاعدين، تماماً كما فعل التضامن صور والصفاء على سبيل المثال لا الحصر، في الفترات السابقة، وذلك عندما قدّما المواهب المميزة ثم صدّراها إلى أندية أخرى فعرفا بحبوحة مالية، وتمتعا بالمردود الذي ضمن ميزانية موسمٍ كامل أحياناً. لكن غالبية أندية الدرجة الأولى على وجه التحديد لا تعير أهمية لفرقها الناشئة، لا بل إن بعضها يقدّم اسمه لفرق أكاديميات خاصة لتمثيله في بطولات الفئات العمرية بسبب عدم تأسيسه لفرقٍ ناشئة أو شابة، وهو أمر يعكس قلة الاحترافية. أما إذا وُجدت فرق الفئات العمرية، فيتولى الإشراف عليها في حالاتٍ كثيرة مجموعة من المدربين غير المخوّلين للعمل مع الصغار، وهي مسألة حسّاسة وتحتاج إلى مجازين. أما الأسوأ فهو عدم وجود مدربين متخصصين في بعض المراكز، إذ إن الغالبية الساحقة من الأندية تفتقد إلى مدربين لحراس المرمى الذين بإمكانهم العمل بشكلٍ مباشر مع الحراس وتطوير قدراتهم، وهو أمر كان بالإمكان لمسه منذ زمنٍ عندما أطلّت أبرز الأسماء على صعيد الحراسة من الخارج لافتقاد لبنان إلى الحراس المميزين، فظهر لاري مهنا أولاً ثم مهدي خليل وعباس حسن. كذلك، تنطبق هذه المقولة على العمل التدريبي مع المهاجمين مثلاً، الذين يحتاجون بلا شك إلى مدربين يعملون معهم وفق آلية محددة. وهنا ينتفي السؤال عن سبب افتقاد الدوري (والمنتخب) لمهاجمين محليين مميزين واعتماد الأندية دائماً على لاعبٍ أجنبي في مركز رأس الحربة.
في الواقع، غالبية المدربين في دوري الدرجة الأولى يبحثون عن النتائج الآنية، إذ لا يهمهم كثيراً البناء للمستقبل بقدر ما تهمهم حماية وظائفهم أو إرضاء إداراتهم وجمهورهم. من هذا المنطلق، تجد أن العقلية التدريبية في لبنان تعرقل مسألة حصول المواهب الشابة على فرصٍ كثيرة للعب، إذ يفضّل المدرب إشراك أصحاب الخبرة الذين يثق بقدراتهم. في المقابل، كان واضحاً في المواسم القريبة الماضية أن بعض الأندية اللبنانية وضعت أعينها على عددٍ من الأكاديميات الخاصة التي بدت أنها تملك المواهب. لكن ما إن وصلت هذه المواهب إلى أندية الأضواء كان من الصعب منحها دوراً أساسياً. وفي هذا الإطار يقول أحد المدربين الأجانب عند سؤاله عن عدم منحه الفرصة للاعبٍ صغير السن أثبت حضوره المميز في بطولات الفئات العمرية، «أنه من السهل على هذا اللاعب الذي يملك قدرات مهارية البروز بين مجموعة من اللاعبين العاديين الذين يواجههم، لكن عند وقوفه بين الكبار يتضّح أنه لم يتعلّم حتى الأسس الصحيحة في كرة القدم لناحية النضج الذهني والتمركز الصحيح والخروج بالقرارات المناسبة في مواقف مختلفة». هكذا، لا يبدو الحاضر مثمراً على صعيد ظهور المواهب الجديدة وهو أمر مقلق.