عبارة «هذا اللاعب انتهى» هي واحدة من أكثر العبارات تداولاً في ملاعب كرة القدم اللبنانية، وهي غالباً يتمّ ربطها باللاعبين الذين بلغوا منتصف العقد الثالث من العمر أو تخطوه، أو أولئك الذين عرفوا تجارب سيئة متتالية مع الفرق التي دافعوا عن ألوانها قبل أن يذهبوا للبحث عن مغامرة جديدة يثبتون من خلالها قدراتهم. صانع ألعاب الأنصار عباس عطوي «أونيكا»، لاعب وسط الراسينغ خضر سلامة، جناح الإخاء الأهلي عاليه خالد تكه جي، مهاجم العهد أكرم مغربي، وزميله قائد النجمة السابق ولاعب شباب الساحل عباس عطوي. كل هؤلاء وبعد ختام المرحلة الرابعة في الدوري اللبناني أكدوا أنه لا يزال لديهم ما يقدّمونه في الملاعب وأن تأثيرهم في نتائج فرقهم هو أمر واضح، والدليل ما فعلوه في الجولة الأخيرة التي برزوا فيها بشكلٍ كبير وكان لهم بصمة واضحة في أداء الفرق التي يلعبون لها.
عباس عطوي

«أونيكا» الذي لعب أساسياً في 20 من أصل 22 مباراة مع الأنصار في الموسم الماضي، يبدو دوره محورياً أكثر من أي وقتٍ مضى مع «الأخضر». هو منذ الموسم الماضي عمل على الظهور بشكل القائد على أرض الملعب، فكان ثاني أفضل ممرري الكرات الحاسمة في الدوري (12 تمريرة حاسمة) بعد نجم النجمة حسن معتوق الذي تقدّم عليه بفارق تمريرتين في نهاية المشوار. الرقم 10 الذي سيبلغ الـ 34 من العمر في منتصف كانون الأول المقبل بدا أنه حاجة لا غنى عنها في صفوف الأنصار بحيث أنه تحوّل إلى مفتاح أساسي لفكّ شيفرة الدفاع في المواجهات الصعبة، وآخرها أمام الراسينغ حيث كانت تمريرته الدقيقة إلى الهداف السنغالي الحاج مالك الفاصل بين الفريقين، ليظهر أن نظرته الثاقبة ورؤيته الشاملة على أرض الملعب، والتي ميّزته دائماً عن أقرانه من لاعبي الوسط، لا تزالان من نقاط القوة التي لم يفقدها. وفي تلك المباراة التي أقيمت على ملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي في جونية، ظهر خضر سلامة وكأنه استعاد شبابه. أداؤه بعد ظهر الجمعة الماضي لم يكن مفاجئاً على الإطلاق، فهو في اللقاء أمام العهد ظهر بصورة طيّبة أيضاً كقائد على أرض الملعب ومحركٍ للعب وصاحب لمسة تهديفية جميلة. هو شارف على الـ 35 من العمر، لكنه بنضجه الفني الذي اكتسبه منذ سنٍّ صغيرة يعرف كيفية تقسيم جهوده على أرض الملعب، والوجود في الأماكن المناسبة التي يمكن أن يشكّل فيها خطورة على مرمى الخصم إن كان بتمريرة أو من خلال تسديدة. أما تكه جي فهو سيبلغ الـ 32 من العمر في الشهر المقبل. ربما هو في سنٍّ لا تزال مقبولة بالنسبة إلى لاعب كرة قدم، لكن الكثير من متابعي اللعبة في لبنان اعتبروا أن الموسم الصعب الذي عاشه مع الأنصار شكّل مفترقاً سلبياً في مسيرته، وأعطوا دليلاً على هذا الكلام أنه كان قريباً من التوقيع للبرج في الدرجة الثانية.
أونيكا

ذهب «تاكو» إلى الاخاء الاهلي عاليه وصار بهدفيه المهمّين أفضل هدافيه حتى الآن. هو كان وراء منحه انتصاره الأول والوحيد هذا الموسم على حساب شباب الساحل، وهو أنقذه من تلقي خسارة ثانية على أرضه في مواجهة التضامن صور بعد ظهر الأحد عندما أدرك له التعادل ولو بهدفٍ حضر الحظ فيه إلى حدٍّ ما. الأداء الجيّد لتكه جي نابع من اندماجه بسرعة في صفوف الاخاء، ربما بسبب الأسلوب الهجومي الذي يعتمده المدرب العراقي عبد الوهاب ابو الهيل، وهو أسلوب يهواه لاعب النجمة السابق، والذي يعود الفضل لمدربه في ظهوره أيضاً «مقاتلاً» على أرض الملعب والدليل ما قدّمه أمام «النبيذي» رغم الخسارة الكبيرة التي تلقاها الفريق الجبلي. ومما لا شك فيه أن أكثر لاعب «مخضرم» تألق في نهاية الأسبوع هو أكرم مغربي. اللاعب الذي احتفل بعيد ميلاده الـ 33 في الأسبوع الماضي، أُشير إليه دائماً بأنه أكثر من مهاجمٍ هداف، وذلك في الحديث عن أسلوبه. وهذه المسألة أثبتها بالأرقام، إذ بعدما أعطاه المدرب باسم مرمر الثقة ليكون في التركيبة الهجومية الأساسية المرعبة لبطل لبنان، ردّ الجميل بمساهمته تمريراً وتسجيلاً بسبع نقاط من أصل عشرة حصدها العهد حتى الآن. والأداء الذي يقدّمه مغربي هو ما يحتاج إليه أي فريق.
أكرم مغربي

مهاجم خبير يعرف كيفية التحرك في المساحات الخالية، والأهم أنه يؤدي بطريقة عصرية بحيث يأخذ مبادرات هجومية، ويتحمل مسؤوليات دفاعية، ويظهر على خط التمرير لأي زميل موجود تحت الضغط وبحوزته الكرة. وهذه النقاط ظهرت بشكلٍ جليّ تحديداً في المباراة أمام الشباب الغازية حيث كان بطلها بهدفين، الأول مُظهراً فيه أنه لم يخسر شيئاً من تقنيته، والثاني واضعاً فيه حسّاً تهديفياً رفيع المستوى. اعتزل كثيرون وبقي آخرون، لكن من دون شك فإن قدرة اللاعب على العطاء تحسب له وحده. لا تحُسب للدوري. فالدوري يجب أن يكون قادراً على إنتاج المواهب وأن يجدد نفسه، وإلا صار عقيماً.

جمال الحاج: هذه عادة سيئة
يعيد اللاعب والمدرب السابق لنادي النجمة جمال الحاج سبب عدم تأثر عددٍ كبير من اللاعبين بالتقدّم في السن إلى عدة مسائل تطبع الكرة اللبنانية دون سواها. ويشرح نجم النجمة السابق أن الدوري في لبنان ليس بقوة البطولات الوطنية التي تعدّ من الصف الأول في المنطقة العربية على سبيل المثال، الأمر الذي يسهّل حياة اللاعب عند تقدّمه بالسن «إذ إن عدم وجود كثافة مباريات خلال الأسبوع إن كان محلياً أو عبر المشاركات الخارجية، تعطي فرصة لأي لاعبٍ متقدّمٍ في السن لأخذ قسطٍ من الراحة يسمح له بالتقاط أنفاسه واستعادة لياقته البدنية وبالتالي التأدية بمستوى مقبول». وإن كان هذا الأمر يتوقف على مدى التزام اللاعب بالتمارين ومعرفته كيفية توفير جهوده للمباريات وتقسيمه خلالها، يصوّب الحاج على نقطة مهمة وهي «أن وتيرة اللعب في الدوري اللبناني ليست بالسريعة ما يسمح لبعض اللاعبين بالتأدية وفق الإمكانات التي يملكونها، طبعاً من دون التقليل من حجم هذه الإمكانات والموهبة التي لطالما تمتعوا بها والتي لا تزال تخدمهم حتى الآن». ويتابع: «قبول هؤلاء اللاعبين بأدوارهم هي مسألة مهمة ومفصلية أيضاً، أي أنه إذا كان دورهم محورياً في فترةٍ سابقة من مسيرتهم، فإنه عليهم قبول شغل دور معيّن على أرض الملعب يسمح لهم بالاستمرار أكثر فيه. وهنا أعني المركز الذي يختاره المدرب لهم، وقت اللعب، والحرية على أرض الملعب، فإذا كان هناك لاعب اعتاد شغل مركز يحتاج إلى الركض كثيراً، فإنه مع تقدّمه بالسن لن يكون قادراً على النسج على المنوال عينه، لذا يأتي دور المدربين لتوظيف هذا اللاعب بشكل صحيح استناداً إلى ما يستطيع أن يقدّمه، وطبعاً في موازاة إقناعه بأن لاعبين آخرين سيلعبون ربما دوره السابق لمساعدته على أرض الملعب».
لكن هل بقاء اللاعبين المتقدّمين في السن بشكلٍ أساسي في فرقهم يقضي على فرص المواهب الصاعدة؟ يجيب الحاج: «بصراحة لا يملك الكثير من المدربين الجرأة للذهاب نحو التغيير بل يفضّلون إعطاء الأدوار الأساسية للاعبين يعرفون ما يمكن أن يقدّموه على أرض الملعب، طبعاً طمعاً بحصد النتائج الإيجابية». ويضيف: «هي عادة سيئة في ملاعبنا ولو أنه يفترض أن نعترف بأن الحاجة إلى الخبرة مطلوبة وضرورية، وهو أمر لا يمكن أن يعطيه اللاعب الناشئ، وتبقى خيارات المدربين بحسب ظروف كل واحدٍ منهم، وبحسب ما يريدونه في كل مباراة».