لعب الأنصار وقدّم أداء قوياً في مباريات عدة من مبارياته الست في الدوري اللبناني، انطلاقاً من اللقاء الافتتاحي أمام النجمة، لكن المفاجأة هي أن «الأخضر» لا يقف في صدارة الترتيب العام. هي فعلاً مفاجأة استناداً إلى الأداء العام للفريق البيروتي مقارنةً بمن يسبقه في المراكز من فرقٍ عرفت فترات صعودٍ وهبوطٍ عدة بين مرحلةٍ وأخرى. والكلام عن مفاجأة بعدم وقوف الأنصار في الصدارة لم يكن ليطفو في المواسم القريبة الماضية، لكن لا بدّ من الاعتراف بتجرّد بأن الجو العام في النادي مغاير تماماً عن الفترة الماضية، وكل الأمور تفسح المجال أمام عملية خاطفة تحمل اللقب الرقم 14 إليه في نهاية المطاف. وإذا ما وضعنا المباراة الأخيرة أمام الشباب الغازية (3-0) جانباً على اعتبار أن الفارق في المستوى بين الفريقين كبير جداً، فإنه يمكن التوقف عند شكل الأنصار على أرض الملعب. فريقٌ منظّم، لاعبون ملتزمون بمراكزهم، ومدرب يعرف ما يفعله في قراءته للمباريات وتعامله معها، ولو أنه بدأ الموسم مغامراً ودفع ثمن هذا الأمر في مكانٍ ما. شكل الأنصار فعلاً مغايراً تماماً، ابتداءً من حراسة المرمى حيث عاد «ابن النادي» حسن مغنية بجهوزية بدنية ممتازة، ومروراً بخط دفاعٍ متناغم بدا خلاّقاً بوصول حسن بيطار إليه، فغابت العشوائية في بناء الهجمة، وباتت الكرة تخرج بطريقة مدروسة، وحتى مشاركات الظهيرين نصار نصار وحسن شعيتو «شبريكو» في الحالة الهجومية تبدو بعيدة عن أي مخاطرة مكلفة.وبالانتقال إلى خط الوسط فإن التركيبة الموجودة تبدو منسجمة وتنطلق قوتها من الدمج بين عنصر الخبرة الذي يؤمّن الحلول في الأوضاع الصعبة كما يفعل عباس عطوي «أونيكا» وعدنان حيدر، وحماسة الشباب واندفاعهم الذي يمثّله بلال نجدي على سبيل المثال لا الحصر. أما هجومياً فيبدو الأنصار خلّاقاً بشكلٍ كبير بوجود المتألق التونسي حسام اللواتي وحسن شعيتو «موني» الذي أعطى شكلاً جميلاً للفريق في خط المقدّمة حيث لا يزال السنغالي الحاج مالك يضرب بلا رحمة مسجلاً 4 أهداف حتى الآن، وهو الذي توّج هدافاً للدوري في الموسم الماضي برصيد 15 هدفاً. وفي الشق الفني أيضاً، تبرز نقطة مهمة كثيراً، وهي أن تركيبة الفريق هي على شاكلة الفرق التي تتمتع بالنفس الطويل للوصول إلى منصة التتويج على غرار ما فعل العهد في الموسمين الأخيرين. وهنا المقصود العمق الموجود في التشكيلة الأنصارية على صعيد الخيارات بحيث تجد لكل لاعبٍ أساسي بديلاً لا يقل عنه شأناً، وهي مسألة بدت أساسية في مشوار كل بطل أقله في الأعوام العشرة الأخيرة، إذ إن طبيعة الملاعب اللبنانية تترك غالباً الفرق جريحة على صعيد الإصابات، وبالتالي تحتاج دائماً إلى بدلاء يلعبون دور الأساسيين. أضف نقطة مهمة وهي التفاوت في مستوى اللاعب اللبناني في أحيانٍ كثيرة بين مباراة وأخرى لسببٍ أو لآخر، فيبدو مهمّاً لأي مدرّبٍ الحصول على مروحة خيارات لحالاتٍ من هذا النوع.
وبالحديث عن المدرب يبدو لافتاً التفاف اللاعبين حول الأردني عبدالله أبو زمع، ففي جلسةٍ خاصة حضر فيها لاعبون أنصاريون لم يحصلوا على دقائق كثيرة للعب حتى الآن، أشادوا بمدربهم ووصفوه بصاحب الفكر العالي، وهي مسألة قد تكون مفصليّة في مراحل متقدّمة من عمر الدوري، إذ غالباً ما يحقد اللاعبون الاحتياطيون (في لبنان) الذين لا يحصلون على فرصة المشاركة كثيراً، على مدربهم، ما يؤثر سلباً على الجو العام للفريق، وتالياً على نتائجه عند اضطراره لإشراكهم في المباريات، وذلك في وقتٍ يحتاج فيه إليهم للقتال من أجله ومن أجل الفريق، وخصوصاً في المراحل الحاسمة. وفي موازاة هذا الجو، وتقاطعاً مع الكلام عن المدرب، يبدو الهدوء الإداري بأهمية ما ذُكر سلفاً، إذ رغم التفاوت في النتائج لم يظهر إلى العلن أي كلام عن إقالة أبو زمع، بعكس ما حصل في مراحل سابقة عندما كانت الإقالة هي الموضة الشائعة في النادي الأخضر، وقد أطاحت أحياناً بمدربين جيدين لم يحصلوا على وقتٍ كافٍ لبناء فريقهم وترجمة أفكارهم فيه، وتحقيق النتائج المطلوبة. وهذا الهدوء الإداري يلتقي أيضاً مع انتهاء الخضة التي عرفها النادي على هذا الصعيد، فمرّت الانتخابات التكميلية من دون أي ضجيج، ودخل النادي في مرحلة جديدة يُفترض أن يتم التأسيس خلالها لتعزيز العمل الذي تمّ سابقاً، وذلك عبر بعض الأشخاص الفاعلين والمدركين بحسب معرفتهم بشؤون اللعبة وشجونها، لكيفية تسيير الأمور من دون أن تُصرف الميزانية من دون مكاسب فنية، ولو أن الإنجاز لم يتحقق هذا الموسم، فإن المواسم المقبلة تبدو مشرقة للأنصار في حال واصل النسج على المنوال عينه فنياً وإدارياً.