يستخدم الشعب العربي بشكل عام، واللبناني خاصّةً، عبارة «هنّي عم يتقدموا ونحن بعدنا مطرحنا»، لدى الإشارة إلى اختراعات الغرب وتقدّمهم في أي مجال. يستعملها الجمهور الرياضي أيضاً، في الدلالة على تطوّر الاتحادات المجاورة ومنتخباتها وأنديتها، مقابل فشل اللعبة في لبنان. في الواقع، تبدو العبارة مسيئةً لمن يُشار إليهم بـ«هنّي»، لأنها تجعلهم يبدون كأنّهم على الطريق عينه معنا، وفي الحقيقة نحن نسير على طريقٍ آخر، نحو المجهول غالباً. قطارهم يبتعد ونحن متسمّرون مكاننا.بات أمراً روتينياً العودة إلى التاريخ، لكن ربما يجب التذكير باستمرار بواجباتٍ لم يقم بها المسؤولون عن اللعبة، أوصلتها إلى الحال الذي هي عليه. عودةٌ تُحصر دائماً بما قدّمه منتخب لبنان في عهد المدرب الألماني ثيو بوكير منذ ثماني سنوات. مدةٌ كافيةٌ لتحضير وتأهيل جيلٍ جديدٍ من اللاعبين، وتغيير هيكليّة العمل داخل لجنة المنتخبات، ووضع العامود الأساس للبيت الرياضي، بدلاً من السعي الدائم إلى تجميل واجهته. يُحب البعض أن يهدم «إنجاز» التّأهّل إلى التصفيات النهائيّة لكأس العالم البرازيل 2014، باعتبار أن ما حصل كان مَحض صدفةٍ فحسب. صُدفة تحقيق ما عجز عنه كل المدرّبين السابِقين. صدفة الفوز على الإمارات والكويت وكوريا الجنوبيّة في الدور ما قبل الأخير، ثم التغلّب على إيران والتعادل مع أوزبكستان. صدفة أيضاً أن يُجاري المنتخب منافسيه وأن يخفق في التأهّل بسبب قضية المراهنات أوّلاً. «الظروف» خدمت بوكير، و«الحضور الجماهيري الكبير» كان له دورٌ فعّال، والرجل امتلك أفضل جيلٍ من اللاعبين. كُلّ هذه الأحاديث سمعناها سابقاً، ولا زلنا نسمعها. على أساس أن الجمهور يلعب دور اللاعبين، ولو وضعنا «خشبة» على رأس الجهاز الفني لكنّا حققنا النتائج عينها أيضاً.
المشكلة في العودة إلى التاريخ، هي أن القيّمين على اللعبة لم يتعلّموا منه، ولم يبنوا على الشيء لتصحيح المسار. يحاولون عيش كل يومٍ بيومه، لا التخطيط إلى المستقبل، وهو ما حصل بالأمس أيضاً. كُل «الهم» كان مصبوباً على ظهور المنتخب الأوّل في بطولة كأس آسيا 2019. الظهور أولاً وتقديم نتائج مشرّفة، لا تحضير منتخبٍ لتصفيات المونديال القطري، أو المشاركة في البطولة الآسيوية بعد أربعة أعوامٍ أخرى، على أساس أن هذا المنتخب أكبر طموحٍ له هو الوصول إلى دور الـ16. وإذا كان المنتخب الأوّل هو الواجهة أيضاً، فالفريق الأولمبي يُعد من الأساسات، لكن هذا المنتخب، لم يأكل من قالب الجبنة، بل لم يتذوّقها أصلاً، وانتظر حتى نهاية المشوار الآسيوي، من بدايته حتى نهايته، بدءاً من التحضيرات مروراً بالمباريات الوديّة حتى المشاركة في البطولة، لكي يلتفت إليه المسؤولون، ويشكّلوا جهازاً فنياً قبل شهرين فقط على انطلاق تصفيات كأس آسيا 2020. ولأن هؤلاء نسوا المنتخب، أو تناسوه، لم يكن أمامهم خيار سوى تعيين المدرب المساعد لميودراغ رادولوفيتش على رأس الجهاز الفني بسبب ضيق الوقت، إلا أن ميليتش كورسيتش هو نفسه الذي قاد الفريق الأولمبي في التصفيات الآسيوية قبل سنتين، وخرج من المجموعة بخسارتين أمام أوزبكستان والإمارات وبفوزٍ على نيبال، ليترك بعدها مهامه دون متابعة اللاعبين. فكيف يُعيّن مدربٌ لم ينجح سابقاً، ولم يُتابع ما بدأه، وموجود ضمن الجهاز الفني للمنتخب الأول الذي لا يضم أي لاعب دون 23 عاماً؟
القيّمون على اللعبة لم يتعلّموا من أخطاء الماضي ويصرّون على عيش كل يومٍ بيومه


من السهل رمي المسؤولية على رادولوفيتش في الإخفاق بعدم التّأهّل إلى الدور الثاني من البطولة الآسيوية، وهو بالفعل يتحمّل جزءاً منها. لا ملاعب لدينا، ولا دوري محترفاً، ولا تطوّر في أداء اللاعبين المحليين إلّا ما ندر، هذا واقعي. لكن هل هذه الأسباب وحدها التي تجعل لبنان يخفق في تحقيق أي «إنجاز» لكرة القدم اللبنانية مع المنتخب؟ هل يجب أن يتعاطف الجمهور مع المدرب حين يشرح حال اللعبة في لبنان، والذي يعرفه الجميع أساساً؟ وإذا فعل ذلك، كيف سيُحاسَب أي مدرب جديد، إذا جاء وكرّر الحجج عينها؟ والأهم، هل هذا الحال جديدٌ على الكرة اللبنانيّة؟ لكن «رادو»، الذي يتذرّع بالبنى التحتية والمرافق الرياضيّة وبالدوري الهاوي، معه شيءٌ من الحق. ولكن الحقيقة أيضاً تقول إن المنتخب لم يستعد بشكلٍ فعلي للبطولة، وإمكانياته كانت محدودة.
يشكر المدرب الاتحاد اللبناني على التعاون بعد المباراة الأخيرة، لكن ينتقد النظام بأكمله عند العودة إلى لبنان. النظام الذي وضعه الاتحاد والقيمون على الرياضة، وسار عليه منذ سنواتٍ طويلة، وكانت جائزته الوحيدة التأهّل إلى بطولة كأس آسيا مرة واحدة. لم يبنِ القيمون على اللعبة، على ما قدّمه المنتخب قبل سبع سنوات، ربما لأنهم اقتنعوا فعلاً أن ما أُنجز جاء «بالصدفة». أُهملت الفئات العمرية، أي القاعدة، وبعدما نجح المنتخب الأوّل في التأهّل، عقب إقصائه من التصفيات المزدوجة، بات الهدف ظهور هذا المنتخب، والدليل في أعمار اللاعبين. انتظر الاتحاد اللبناني أيضاً حتى فرض الاتحاد الآسيوي للعبة الأمر الواقع على الاتحادات الآسيوية، جابراً إياها على العمل على عقود اللاعبين في الأندية، لينتظر الاتحاد اللبناني حتّى عام 2019 ليضع حدّاً للعقود الأبدية. كل الفترة السابقة واللاعبون مقيّدون بأهواء إداريي الأندية. لكن فعلياً، ما هو المنتظر من لعبةٍ لا يُسوّق لها؟ فإن كان المال هو المنتظر، فبابه مغلق، وبمفتاح الاتحاد قبل وزارة الشباب والرياضة. هي أيضاً تتحمّل جزءاً من المسؤولية، ولكن لم انتظار دولةٍ لا تسأل عن أبسط حقوق العيش، لتأتي وتقود النهضة الرياضية؟
إلى جانب عشق استعمال المصطلحات العامة، يحب الجمهور المقارنة مع الغير، وهي تبدو منطقيّة، حين يرى هذا الجمهور أن منتخب فيتنام وصل إلى الدور ربع النهائي من البطولة الآسيوية، وهو المنتخب الأصغر عمراً، وعناصره وصلوا إلى نهائي كأس آسيا دون 23 عاماً العام الماضي. يسأل الجمهور عن سبب مشاركة فرق شرق آسيا في دوري أبطال آسيا، في حين أن الفرق اللبنانية ليست عاجزةً عن تطبيق المعايير المطلوبة فحسب، بل لا تعمل على ذلك حتّى. يُطالبون بأجوبةٍ واضحةٍ حول سعي المسؤولين إلى البقاء ضمن الدائرة الضيّقة، وعدم جدّيتهم بالعمل للنهوض بكرة القدم اللبنانية. لا حلّ في الأفق، وسيبقى المشجع اللبناني يتابع الكرة الأوروبية بإعجاب ويتمنى أن يبتسم له القدر للسفر إلى إحدى البلدان الأوروبيّة ومشاهدة مباراة كرة قدم هناك.