قبل نحو شهر، أصدر الإتحاد اللبناني لكرة القدم قراراً بتعليق نتائج بعض المباريات في دوري الدرجة الثالثة. السبب وقتها كان الشك بحصول تلاعب بنتائج المباريات. شُطبت نتائج ناديي «أنصار حوارة» و«أمل السلام زغرتا»، وغرّم كل منهما بمبلغ مالي. اللجنة التنفيذية في الإتحاد اللبناني، التي أجرت التحقيقات حينها، قامت أيضاً بشطب نتائج فريق النهضة عين بعال الذي يلعب في المجموعة الأولى من الدرجة عينها، كما غرّمته بمبلغ مالي. منذ تلك الفترة لم تتوقف تحقيقات الإتحاد اللبناني للعبة، فجرى الإستماع لأكثر من لاعب وإداري من أندية الدرجة الثالثة، كما جرى التحقيق في مباريات أخرى كان مشكوكاً فيها. حينها أيضاً تم تعليق الدورة السداسية للصعود من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية، ودورة الهبوط إلى الدرجة الرابعة حتى انتهاء التحقيق وتحديد الأندية المشاركة في الدورتين. ولكن المفاجأة كانت بأن الإتحاد أصدر أول من أمس قراراً يلغي فيه قراراته السابقة، ويقضي بإعادة مرحلة الإياب كاملةً في المجموعتين الأولى والثالثة من دوري الدرجة الثالثة، وهو القرار الذي شكل صدمة كبيرة للشارع الكروي خاصّة، والرياضي عامةً في لبنان.
الأندية تطالب الإتحاد اللبناني لكرة القدم بالعدالة (هيثم الموسوي)

عيوب وأمراض كثيرة تعاني منها كرة القدم اللبنانيّة، وهي التي جعلتها خلال السنوات عُرضة لنكسات وخيبات على المستويين المحلي والآسيوي. دائماً ما تفشل الأندية اللبنانية، ومن وراءها المنتخب، بالذهاب بعيداً في أي مسابقة تشارك فيها. الأندية هدفها الأوّل الفوز بكأس الإتحاد الآسيوي، على اعتبار أن الحديث عن دوري أبطال آسيا الذي يضم الأندية الأقوى في آسيا ليس وارداً بالنسبة للبنان. تراكم الفشل أدى إلى ظهور منتخب لبنان بالصورة الضعيفة التي كان عليها في بطولة آسيا الأخيرة في الإمارات. فشل إداري ينعكس على المستوى الفني، وهو مستمر منذ منتصف التسعينيات، وظهرت تجلياته أخيراً في قضية تلاعب جديدة بنتائج دوري الدرجة الثالثة، هزّت الشارع الكروي، وبلا شك ستكون ارتداداتها كبيرة في الأيّام المقبلة. وبالحديث عن التلاعب لا بد من التذكير أن تاريخ الكرة اللبنانية مليء بهذه الأحداث التي تركت ندوباً على وجه الكرة، وهي المرشحة للعودة مجدداً مع القضية الجديدة. الحدث هذه المرة في الدرجة الثالثة. عموماً، «تعوّدنا» على الهبوط، كما أننا نسمع كل يوم في الكرة وغيرها قصص الالتفاف على القانون أيضاً، أو تجاوزه، وحلّ المشكلات «على الطريقة اللبنانية»، لإرضاء جهة سياسية هنا أو «مرجعية عليا» هناك.
لأيامٍ قليلة، اعتقد الجمهور اللبناني أن اتحاد الكرة سيضرب بيدٍ من حديد بقضية التلاعب الجديدة بالنتائج، ويوجّه رسالةً قاسيةً لكل المتلاعبين، كما فعل في قضية المراهنات قبل أعوام. شطَب الاتحاد نتائج ثلاثة فرق، تبيّن من خلال التحقيق أنها شاركت في تغيير نتائج بعض المباريات، وأبقى التحقيق مفتوحاً للوصول إلى مشاركين إضافيين، وإيقاف إداريين ولاعبين وتغريمهم. كان من المفترض توسِعة التحقيق أن يُكشف عن المزيد من الحقائق، وأن تُشطب نتائج فرقٍ أخرى، إذ إن الرقم المُفرَد ليس منطقياً، فالمباراة تحتاج إلى فريقين، والعقوبة من المفترض أن تشمل على الأقل أربعة فرق بدلاً من ثلاثة، لكن هذا ما لم يحصل. بدلاً من ذلك، ألغى الاتحاد في تعميمه الأخير (الثلاثاء الماضي) قراراته السابقة، وقرر إعادة مرحلة الإياب في المجموعتين اللتين شهدتا تلاعباً بالنتائج. هكذا تساوى الظالم والمظلوم، وصبّ قرار الاتحاد في خدمة المشتبه في كونهم متلاعبين. هكذا سمح الاتحاد لأي نادٍ بإعادة البطولة مستقبلاً بمجرّد تلاعبه بمباراة واحدة.
في التفاصيل، أن الاتحاد اللبناني لكرة القدم شطب نتائج أندية: «أمل السلام زغرتا»، و«أنصار حوارة»، و«النهضة عين بعال» في دوري الدرجة الثالثة، وغرّم كلاً منها مبلغ سبعة ملايين و500 ألف ليرة، بعد تحقيقٍ أجرته اللجنة التنفيذيّة حول وجود تلاعب ببعض المباريات. التحقيق الذي استُكمل حتى أيامٍ مضت (استمر نحو 3 أسابيع)، كان الهدف منه «تبيان ما تبقى من وقائع بخصوص التلاعب ببعض المباريات الأخرى واللاعبين والإداريين المشاركين»، حسب تعميم الاتحاد. لجنة التحقيق استمعت إلى عددٍ من اللاعبين والإداريين، وقررت إلغاء قراراتها السابقة، مع إعادة مرحلة الإياب، في مجموعتين من ثلاث. القرار الأخير وحده دليلٌ على وجود التلاعب.
كلفة كل مباراة تصل إلى نحو 900 ألف ليرة أجرة الملعب وأتعاب الحكام ومواصلاتهم وأتعاب المراقبين وموظفي الاتحاد


بعد شطب النتائج، هدد نادي «أمل السلام زغرتا» (تابع لـ«السلام زغرتا» الذي يلعب في الدرجة الأولى)، بالانسحاب من كل البطولات، وهي تشمل الفئات العمريّة أيضاً، فيما تحدّت إدارة «أنصار حوارة» الاتحاد إبراز نتائج التحقيق وإظهار الأدلّة على وجود تلاعب. أطرافٌ أخرى دخلت على الخط، فالتحقيق بدأ يطاول فرقاً غير الثلاثة المشطوبة نتائجها. الاتحاد استند في تحقيقه إلى مراقبي المباريات والحكام والفيديو، فكان الشك بوجود تلاعب حسب نتائج المباريات وطريقة تسجيل الأهداف، لكن ما تسلّحت به الأندية، هو عدم وجود دليل. الاتحاد اعترف ضمناً بوجود التلاعب، وإلا لمَ لم يُثبِّت نتائج المباريات، وقرر بدلاً من ذلك اعادة مرحلة الإياب التي تُلعب على مدار سبعة أسابيع، قبل انطلاق الدورتين السداسيتين للصعود والهبوط (في الدرجة الثالثة، وبعد انتهاء مرحلة الإياب، تُقام دورة لأول ست فرق، أي أول فريقين من كل مجموعة، لاختيار اثنين منها للتأهل إلى الدرجة الثانية. كما تُقام دورة لآخر 6 فرق لاختيار اثنين منها للهبوط إلى الدرجة الرابعة)؟ وكيف لا يقدم الاتحاد جميع التفاصيل أو النتائج بعد اتهام بعض الأندية بالتلاعب، وهو ما يؤثر على صورتها، وخاصةً تلك التي رأت أن «الحق ظهر»؟ تُشير المعلومات الى أن تحقيق الاتحاد أفضى إلى وجود تلاعب بعددٍ كبيرٍ من المباريات وبمشاركة أكثر من الفرق الثلاثة المعاقبة سابقاً، ولهذا السبب جاء قرار إعادة المرحلة.
إعادة مرحلة الإياب تبدو أمراً سوريالياً. فعلى سبيل المثال، مع ختام الدوري، حلّ نادي «التقدم عنقون» في المركز ما قبل الأخير ضمن المجموعة الأولى، لكنه سيبدأ الإياب وهو في الصدارة، بفارق تسع نقاط عن «السلام صور» الذي تصدّر مع ختام الدوري، وبفارق سبع نقاط عن «الأمل معركة» الذي تأهل هو الآخر بحلوله ثانياً. هذا الكلام يعني أن النادي الذي كان سيشارك في الدورة السداسية للهبوط، بات المرشح الأوّل للمشاركة في الدورة السداسية للصعود!
أكثر الأندية تعرّضاَ للظلم هي التي تأهلت إلى الدورة السداسية من دون الدخول في «المعمعة». هؤلاء قد يُحرمون من التأهل إذا لم تخدمهم النتائج المقبلة، وخاصةً بعد توقّف الدوري لنحو شهر، في حين أن الفِرَق التي احتلت مراكز في وسط الترتيب، انتهت مشاركتها، فلا هي تصارع على البقاء عبر خوض دورة الهبوط، ولا تنافس على الصعود، وباتت مجبرةً على خوض المباريات من جديد. هؤلاء، إلى جانب باقي الفرق، سيتحمّلون مصاريف زائدة لم تكن بالحسبان، فكل مباراةٍ تُكلّف نحو 900 ألف ليرة، أجرة الملعب وأتعاب الحكام ومواصلاتهم وأتعاب المراقبين وموظفي الاتحاد، كما عليهم دفع رواتب للاعبين، وهذه أمور تؤثّر بالنتائج حتماً.
وبعيداً عن المجموعتين اللتين ستلعبان مرحلة الإياب من جديد، هناك مجموعة ثالثة لم تتورط أنديتها بالتلاعب بحسب التحقيقات، وسيكون بالتالي على أندية هذه المجموعة أن تنتظر سبعة أسابيع (مدّة مرحلة الإياب) حتى انطلاق دورتَي الصعود والهبوط.
القضية أثارت بلبلة كبيرة في الوسط الرياضي اللبناني، فتساءل عدد كبير من المتابعين للملف عما إذا كان الاتحاد قد رضخ لتهديدات الأندية، ومن يقف خلفها من مرجعيات سياسية؟ سؤالهم عما إذا هرب الاتحاد من مواجهة التلاعب في النتائج؟ وكيف لا تجرؤ الأندية في المستقبل، أو حتى في المباريات المقبلة في الدرجة الثالثة، على إعادة الكرّة إذا أفلتت من الحساب؟ على العموم، لا يمكن إخفاء قضية التلاعب بالمباريات بكل الدرجات. لا تحتاج المباراة المشبوهة إلى دليل، والمباريات المشبوهة كثيرة، هذا الموسم وفي مواسم كثيرة ماضية، في عهد الاتحاد الحالي وفي الذي سبقه، لكن ما يحتاج إليه الجمهور هو الحسّ بوجود مراقبة ومحاسبة. كما كان «أحدٌ أسود» قبل 18 عاماً (راجع «الكادر»)، صار «تعميماً أسود»، بحسب وصف البعض.

اجتماع بين الأندية والاتحاد
ردّ الأندية جاء من الجنوب، وتحديداً من المجموعة الأولى، إذ اجتمعت ستة أندية، هي: «السلام صور»، «الأمل معركة»، «الرياضي العباسية»، «بنت جبيل الرياضي»، «الاخوّة الخرايب» و«حاروف الرياضي»، من دون مشاركة «التقدم عنقون» و«النهضة عين بعال»، ورفعت كتاباً إلى اتحاد اللعبة، علّقت من خلاله المشاركة في مرحلة الإياب المُعادة (التي نص عليها تعميم الاتحاد)، مهددةً بالتصعيد في حال عدم تجاوب الاتحاد، الذي سيجتمع اليوم مع الأندية الستة.



الأندية ستلجأ إلى الـ«فيفا»!
«السلام صور» يعتبر نفسه الأكثر تضرراً من قرار الاتحاد الأخير. الفريق تصدّر مجموعته مع ختام دور المجموعات. وفي حال إعادة مرحلة الإياب، سيبدأ مشواره من المركز ما قبل الأخير، بفارق تسع نقاط عن الصدارة. نائب رئيس النادي، أحمد سليمان، أشار إلى «الأخبار» أن ناديه برفقة خمسة أندية أخرى اعترضت على القرار، وهي ترفضه وتطالب بمحاسبة من شارك في التلاعب، حتّى لا تُظلم باقي الأندية. سليمان أوضح أن الأندية ستلجأ إلى الـ«فيفا» إذا عُمل بقرار الاتحاد، وأعيدت مرحلة الإياب، وأن فريقه الذي من المفترض أن يلعب مباراةً مع الأمل معركة غداً الجمعة، ضمن الأسبوع الأول من مرحلة الإياب، لن يخوض المباراة، كحال خمسة فرقٍ أخرى، بينها منافسه. يوضح سليمان، «القوانين مطّاطة، ويمكن العمل على طريقة للخروج ممّا حصل بطريقةٍ يُقال إنها قانونية، لكن على الاتحاد اللبناني محاربة الفساد حتّى يكون هناك صدقية لأن هذا القرار غير عادل ومجحف».
«الشباب طرابلس» من المجموعة الثالثة أحد المتضررين جراء إلغاء القرار الأوّل. الفريق احتل المركز الثالث مع ختام الدوري بفارق نقطة عن «أنصار حوارة»، وشطب نتائج الأخير كان سيؤهل «الشباب طرابلس» إلى الدورة السداسية للصعود. نائب رئيس النادي الأخير، محمد الموسوي، يقول إن ناديه «لم يرفع شكوى إلى الاتحاد ولم يطالب بالتحقيق بنتائج المباريات، ولعب مبارياته بكل جديّة ولم يشتر أو يبع أي مباراة، لكن الاتحاد هو الذي بادر إلى فتح التحقيق. واليوم، يقرر إعادة مرحلة الإياب». يسأل الموسوي: كيف سيخوض المباريات من جديد وليس لديه إمكانات مادية؟ ويُشير إلى أن فريقه قد لا يُشارك في المباراة المقبلة مع «أمل السلام زغرتا».
بدورها، إدارة نادي «أشبال الميناء» من المجموعة الثالثة، أرسلت كتاباً إلى اتحاد اللعبة، أعلنت من خلاله انسحابها من البطولة إذا لم يُحاسِب الاتحاد الفاسدين والمتلاعبين، وألغت قرار إعادة مرحلة الإياب، معتبرةً أن القرار الأخير «يُساوي بين الأندية المتلاعبة والأندية التي لعبت بشرف»، مُشيرةً إلى أن القرار «يؤكّد أن الاتحاد يخضع لتهديدات المتلاعبين ويشجعهم على مزيد من التلاعب. ورأى النادي أنه لم يعد يثق بأن تكون المنافسات شريفة، وأن القرار يدفع الأندية إلى الإفلاس. وجاء في الكتاب، «إن قراركم هو بمثابة نحر جماعي للأندية، وندعوكم إلى التراجع عنه حرصاً على مصلحة اللعبة ومصلحة الأندية التي لا نجد أن أغلبها قادر على الاستمرار في ظل هكذا ظروف».


تاريخ من التلاعب
قبل 18 عاماً، جرّد الإتحاد اللبناني لكرة القدم نادي التضامن صور من لقب الدوري، عقب فضيحة التلاعب بنتائج المباريات ضمن الأسبوع الأخير من البطولة. حينها، سمّى الاتحاد اليوم الذي لُعبت فيه المباراة بـ«الأحد الأسود»، ليشطب النتائج ويوقف إداريين ولاعبين ويغيّر هوية البطل. لكن ليس البطل فقط من تغيّرت هويته، بل الاتحاد أيضاً، بعد تدخّل وزارة الشباب والرياضة والسياسيين ووصول القضية إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا». إقالات واستقالات وتعيين لجنة مؤقتة عقب قرارٍ تاريخي، أفضت في نهاية الأمر إلى انتخاب اتحادٍ جديد. قصّة عام 2001 ليست الأولى، لكنها الأشهر. الأمين العام الأسبق رهيف علامة كان قد تحدّث في العام نفسه عن عمليات تلاعب حصلت قبل ذلك التاريخ، وتحديداً في عام 1993، وبعدها في عام 1995، أوقف على أثرها لاعبون وإداريّون، ووصلت عقوبة بعضهم إلى التوقيف مدى الحياة. بعد حادثة التضامن صور وتجريده من لقبه، عادت عجلة الكرة اللبنانية إلى الدوران بشكل طبيعي، ولكن بعد عشرة أعوام، فُتح ملف التلاعب مجدداً، إنما في دوري الدرجة الثانية. عندها قرر الاتحاد إعادة مرحلة الإياب وإسقاط ثلاثة أندية معترضة إلى الدرجة الرابعة.