المكان: ملعب صور البلديالزمان: الأسبوع التاسع عشر من الدوري اللبناني
الحدث: مباراة التضامن صور وضيفه العهد

في هذه المباراة، كان من المفترض أن يضمن العهد اللقب السابع للدوري اللبناني لكرة القدم في حال فوزه على التضامن صور. لم يتوّج العهد بعد تعادله. لقب تأجل حتى الأسبوع العشرين حيث ضمن العهد نجمته، بفوزه الكبير على الإخاء الأهلي عاليه. ليست هذه القصة، بل الصورة الجماهيرية التي حملها ملعب صور. المدرج الكبير ويمين المنصة الرئيسية مكتظة جماهيرياً. مشهد بدا مفاجئاً ويعتبره القيّمون على الجمهور «الأصفر» تاريخياً. العهد يملك مثل هذا العدد؟ ذلك الفريق الذي كانت مدرجاته خالية قبل سنتين؟ ماذا حصل؟
بين ملعب صور وملعب المدينة الرياضية في نهائي كأس لبنان الموسم الماضي، بدا واضحاً أن تغيّراً كبيراً طرأ على الحالة الجماهيرية للعهد. مباريات تشهد حضوراً يناهز السبعة آلاف مشجع. معدّل وسطي ألفي مشجع. أهازيج وهتافات ومشجعون من مختلف الأعمار والألوان السياسية والطائفية. أمرٌ لا يمكن أن يحدث صدفة.
تلتقي أحد الجنود المجهولين في هذه الظاهرة العهداوية. يحدّثك عن تغيير شكل مدرج العهد كي يصبح أكثر جاذبية وينزع عنه صفة «الناشف». مدرج وجمهور قد لا يشبه في بعض الأحيان النادي من ناحية بعض الضوابط. الصدام الأول حدث عند رفع شعار «نحن العهد وْلاك». النادي كان غاضباً على اعتبار أن هذا الكلام ليس من أخلاقيات العهد. هنا كان لا بد من صدام لتغيير العقلية لدى بعض القيّمين على النادي تجاه شكل الجمهور. تم إبلاغ المعارضين بأن الجمهور قد لا يشبه في بعض الأحيان عادات العهد. «الدربكة والدف» مرفوضان في عقلية المسؤولين. لكن على المدرج، يعتبران من العناصر الأساسية. الجمهور هو الجمهور.
إذاً، الهدف لدى القيّمين على الجمهور هو تحويل المدرج الى مكان جاذب. ليس بتقديم حوافز للجمهور، بل بتحويله الى مكان فرح وتسلية. الهدف الثاني كان في مد جسور تواصل بين الجمهور واللاعبين. يروي المسؤول العهداوي في رابطة العهد حادثة فتّحت عينيه على مشكلة ما. في أحد التمارين، كان الجمهور حاضراً، وحضر أحد نجوم الفريق وهو أحمد زريق. لم يهتم أحد به. بعكس ما يحصل في باقي الأندية. هنا بدا واضحاً أن الانسجام مفقود، وبالتالي يجب العمل على تقريب الجمهور من اللاعبين. وبالفعل بدأ المشروع من حفل تتويج الموسم الماضي. حفل استثنائي دخل فيه اللاعبون وسط ممر يحتشد على جانبيه الجمهور. هنا كانت البداية، حيث تم العمل على إيجاد الانسجام المطلوب وتقريب الجمهور من اللاعبين. لكن مهلاً، ضمن ضوابط عدم تحويل الفريق الى «بُوَط»، بحيث كل لاعب مدعوم من بعض الجمهور. لا يمكن السماح لأي لاعب بأن يكون صديقاً مع أكثر من مشجع أو اثنين. الجمهور صديق الفريق كمجموعة وليس اللاعبين كأفراد. «الهدف بأن لا يتأثّر الفريق في حال غياب لاعب عن مباراة ما أو حتى مغادرته النادي. يذهب من يذهب ويحضر من يحضر. الفريق لا يتأثّر».
يتفاخر المسؤولون عن الرابطة بأن جمهورهم من كل الألوان السياسية والطائفية


مثالٌ على ذلك ما حصل مع أيقونتَي النادي عباس عطوي «أونيكا» وحسن شعيتو «موني» مع ما يمثلانه للعهد ومحبة الجمهور لهما. انتقلا الى الأنصار، ولم يتأثر النادي. مثالٌ آخر: أكرم مغربي. لم يكمل بعد سنته الأولى مع الفريق، وترى الجمهور يحبه كثيراً، «لا ينادونه سوى أبو عمر، فالجمهور لا ينظر الى اللاعب سوى من زاوية أنه لاعب في العهد». يقول المسؤول العهداوي، «في عيد الميلاد، رفعت لافتة معايدة لخليل خميس مع صورته على مدرج العهد. بادرة لقيت أثراً طيباً لدى اللاعب وأهله، ودلّت على بعد النادي عن الزواريب الطائفية والسياسية. لعل هذه الزواريب كانت الخطأ الاستراتيجي سابقاً لدى العمل على تشكيل جمهور العهد. محاولة جذب الجمهور من زاوية حزبية أو سياسية أو طائفية أضرّت كثيراً، قبل أن يتم تدارك الأمر وفتح المدرجات أمام الجميع» يضيف المسؤول الجماهيري لـ«الأخبار».
انتشار جمهور العهد كان نتاج عمل دؤوب في الصيف، حيث تم تشكيل ما يقارب التسعين مكتباً في البلدات الجنوبية بموازاة ما يقارب العشرين زيارة للنادي من «كبيره الى صغيره» كما يقول مدير نادي العهد محمد شري. فالجنوب يعتبر الخزان الرئيسي للعهد، تليه منطقة الضاحية ومن ثم البقاع، «في الجنوب، يعشقون كرة القدم، وفي كل بلدة هناك ملعب أو اثنان. لذلك تراهم متحمسين للمجيء الى الملعب، بعكس جمهور الضاحية الذي يحب الفريق ويشجعه، لكن ليس في الملعب. مشكلة جمهور البقاع هي في الحالة المادية الصعبة وكلفة المجيء الى بيروت لحضور المباريات. هذا بدا واضحاً حين لعب العهد مع البقاع على ملعب النبي شيت. حضر جمهور كبير للعهد في مشهد غير مسبوق في البقاع، وبالتالي بدا واضحاً أن المشكلة مادية».
قصة جمهور العهد لم تنته في صور أو في بحمدون أول من أمس. يَعد المسؤولون عن الجمهور بحفل تتويج لم تشهد الكرة اللبنانية مثيلاً له. هو تأسيس للموسم المقبل و«تتويج» آخر لجهود قلّة قليلة صنعت الكثير في مدة زمانيّة قياسيّة. عمل على الأرض تقاطع مع صفحة رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي تعد الأقوى بين الصفحات المماثلة لأندية أخرى. هذه أيضاً بجهود شخصية لجنود مجهولين. البداية بدأت في الموسم الماضي، لكن لا أحد يعلم متى ينتهي مشوار صناعة جمهور العهد.

ظلم ذوي القربى
يبدو الكلام صادماً حين تسمع معاناة القيّمين على الجمهور على الصعيد المادي. مشهد غريب في ناد يتمتع باستقرار مادي ويعقد أغلى الصفقات. ورغم ذلك، لا تقوم إدارته بتخصيص موازنة بسيطة لرابطة الجمهور. «نحن نصرف من اللحم الحي. لا دعم سوى المعنوي وتحديداً من أمين السر محمد عاصي الذي يساعدنا على قدر استطاعته. مع بدء التحضير لحفل تتويج الموسم الماضي، طُرحت الفكرة على الإدارة لإعلامهم. الجواب الأول كان «أوعا تقول بدك مصاري». يقول المسؤول في جمهور العهد.
عبارة قد تكون مقبولة في نادٍ آخر، لكن في العهد فهي «جريمة» بحسب البعض. جمهور لم يبلغ عامه الثاني بعد ويحتاج الى دعم، يجد إدارة النادي تدير ظهرها له. عجز في الموازنة يبلغ 1500 دولار فقط ولا يجد من يسدّه. لافتات ورسومات بجهد شخصي من أحد المسؤولين في الرابطة الذي يعمل ليلاً في النادي. 200 ألف ليرة مصاريف كل مباراة جماهيرياً لا تجد من يدفعها سوى بعض الجمهور الذي يقوم بحملة جمع تبرعات لسد العجز.