بهدوء ومن دون ضجيج عوّض فريق بيروت للسيدات ما عجز عنه فريق الرجال في النسختين الأخيرتين من بطولة الأندية العربية لكرة السلة بخسارته اللقب في المباراة النهائية أمام الاتحاد السكندري المصري. ففي هاتين النسختين كان فريق العاصمة اللبنانية مرشحاً قوياً للتتويج بالكأس وخصوصاً مع استضافته البطولة على أرضه في العام الماضي، لكن الإنجاز لم يتحقّق.بعكسه دخل فريق السيدات إلى البطولة الإقليمية من دون أن يكون في صفّ المرشحين الأوائل، أقلّه بالنسبة إلى منافسيه الذين عرفوا أنه لن يكون بقوة الرياضي الفائز باللقب مرتين سابقاً، أو هومنتمن الذي حصد اللقب بنسختيه الأخيرتين، لكن بيروت فعلها ليؤكّد نجاحات الفرق اللبنانية على هذا الصعيد، إذ سبق لأنترانيك الفوز باللقب مرتين أيضاً، والحكمة مار ضومط مرة واحدة.
لكن من دون شك يعتبر إنجاز بيروت استثنائياً إلى حدٍّ كبير، فهو جاء من أول مشاركة له في البطولة بعد اعتذار الرياضي بطل لبنان عن تمثيل كرة السلة اللبنانية لأسباب لم يكشف عنها، وقد رجّح البعض أنها أسباب مادية، وهو أمر مبرّر في ظلّ الأوضاع العامة التي تعيشها الرياضة والبلاد. وهنا كانت جرأة إدارة بيروت كبيرة بقبول دعوة تمثيل لبنان رغم أن الفريق لم يخُض أي مباراة في دوري الدرجة الأولى الذي صعد إليه حديثاً!
هي مفارقة غير اعتيادية فعلاً، لكن ليس بالنسبة إلى إدارة بيروت، لأنها عرفت في قرارة نفسها بأنها تملك فريقاً مميزاً منذ أن استحوذ على رخصة نادي «هوبس صور» وشرع في اللعب في الدرجة الثالثة ليصعد بعد موسمٍ واحدٍ فقط إلى الثانية ومن ثم إلى الأولى مباشرة. أما اللافت فإن الفريق البنفسجي لم يخسر أيّ مباراة في مشواره باتّجاه دوري الأضواء!
أضف إلى هذه النقاط، أن بيروت وقبل ذهابه إلى البطولة العربية وجد صعوبة في إيجاد ملعبٍ متاح لخوض التمارين، ومن ثم وجد صعوبة في جمع اللاعبات للتدرّب، وقد اقتصرت مبارياته التحضيرية على لقائين فقط، لكن ما أن وصل إلى المغرب حتى فاز بمبارياته السبع كلّها في طريقه للصعود إلى منصة التتويج.
أحرزت سيدات بيروت اللقب العربي من دون خوضهنّ أيّ مباراة في دوري الأضواء


كذلك، فإنّ نواة هذا الفريق لم يبقَ منها سوى 4 لاعبات واعدات، مع الوصول إلى ساحة الكبار، لكن الظروف المحلية كانت حاضرة لتمهيد الطريق أمام الإنجاز الإقليمي.
القصة بدأت مع وضع ميزانيّة محدّدة للمنافسة بفريقٍ يستطيع تأمين حضوره بين الفرق البارزة في الدرجة الأولى، ولم يكن التوجّه أبداً لضم مجموعة من أفضل لاعبات لبنان. لكن فجأة انفرط عقد فريق هومنتمن فكان هناك عدد كبير من اللاعبات المتاحات في السوق حيث انخفضت التكلفة أيضاً لأسبابٍ عدة، أوّلها بحث اللاعبات المحررات عن نادٍ جديد في ظلّ خيارات ضيّقة، وخصوصاً أن نادياً منافساً مثل الرياضي كان قد وقّع عقوداً مضمونة مع لاعباته، وهو بالتالي الفريق الوحيد إلى حدٍّ كبير القادر على ضمّ لاعبات من الصف الأول، وهي خطوة لم تحصل لعدم إمكانية اتّخاذها في ظلّ اكتمال صفوفه. لذا أتيحت الفرصة أمام إدارة بيروت فتعاملت معها بذكاء مستغلّة وضع السوق، ومستفيدة من سمعة النادي في الوفاء بالتزاماته من خلال ما عرفه فريق الرجال، ومن الهيكلية الواضحة في النادي، ما مهّد الطريق أمام قبول عددٍ من اللاعبات المميزات الانضمام إليه.
وفي هذا الإطار ضمّ بيروت ليا أبي غصن وليلى فارس من هومنتمن، وساندار نجم من انترانيك، وعايدة باخوس من الرياضي، وجويس صليبا ومغالي جميّل من هوبس، وسارة أخضر من اينرجي. وهذه الخيارات كانت كلّها من قِبل المدرب عزت اسماعيل الذي رافق الفريق منذ نشأته، والذي كان بإمكانه خطف المزيد من اللاعبات المتاحات، لكنه بدا مقتنعاً بتشكيلته رغم استغراب البعض من «العجقة» في المركزين 4-5.
وهذه التشكيلة المحلّية تعزّزت بقدوم النجمة الأميركية شافونتي زيلوس، وهي لاعبة في العقد الثالث من العمر، حملت معها تجربتها الكبيرة في الدوري الأميركي للمحترفات (WNBA). كما تعاقد النادي مع مواطنتها تيريزا إيخيلار، لكن الأخيرة لم تفِد الفريق بالشكل المأمول بالنظر إلى صغر سنّها (21 عاماً)، فهي قبل دفاعها عن ألوان بيروت خرجت من دوري الجامعات في الولايات المتّحدة للاحتراف في السويد. لذا يمكن القول إن الاعبات اللبنانيات عوّضن الفارق وكنّ العلامة الفارقة في الفريق ليتفوّق على منافسيه في نسخة لم تكن أسهل من النسخات السابقة على الإطلاق.
وهذه المسألة تؤكدها مديرة الفريق كارلا الترك في تصريحٍ لـ«الأخبار» قالت فيه: «هي أقوى النسخات بلا شك، وخصوصاً بعدما رفعت الفرق من مستوى الأجنبيات عندما لمست بأنهنّ ساهمن بشكلٍ كبير في فوز هومنتمن باللقب في النسختين الماضيتين حيث كان ممثل لبنان مدعّماً دائماً بأجنبيتين قويتين». وتضيف: «تمكّنت اللاعبات اللبنانيات من إحداث الفارق في مواجهة نظرائهن العربيات، واستفدن من تأقلمهنّ السريع ومن الدعم الكبير الذي خصصته لهنّ الإدارة على الصعد المختلفة».
قوة بيروت في البطولة بدت في فرضه شخصيته وإيقاعه خلال المباريات بفضل لاعبات لهنّ خبرة خارجية سابقة، ومدرّبٍ لم يفوّت ومساعده بيتر أبو جودة أي فرصة لدراسة الفرق الخصمة عبر متابعة كلّ المباريات في الملعب، ما خلق وحدة عملٍ كاملة ومتكاملة عادت بالكأس العربية.
لكن ماذا بعد الإنجاز؟ هو سؤال بلا شك يطرحه بيروت كما تطرحه الفرق المحلية الأخرى والتي اجتهدت لرسم تشكيلات قبل موعد انطلاق بطولة لبنان للسيدات الذي كان محدّداً في أواخر الشهر الحالي. لكن الفرق الثمانية في الدوري تنتظر إشارة من الاتحاد اللبناني للعبة لبدء المنافسات وسط إيمانها بعدم إلغاء البطولة بانتظار أن تتوضح الصورة خلال البحث الاتّحادي عن حلول، حيث تبرز قناعة أيضاً عند فرق السيدات بأن إطلاق البطولة سيكون أسهل من تلك الخاصة بالرجال بالنظر إلى الكلفة الأقل، وهناك مقترحات للسير في هذا الإطار على غرار خوض مباريات الموسم العادي باللاعبات المحليات، قبل أن تكون الفرق المتأهلة إلى المربع الذهبي ملزمة بضم لاعبة أجنبية.
بطبيعة الحال، لم يطلق بيروت تمارينه بعد عودته من المغرب، لكنّه سيبني للمرحلة المقبلة بحسب قرار الاتّحاد، مدركاً أنه يملك فريقاً قوياً للمنافسة على اللقب المحلي، حيث يقف الرياضي القوي والمنسجم كعقبةٍ حقيقية في وجه امتداده من الساحة العربية إلى نظيرتها المحلية على صعيد الإنجازات الاستثنائية.