بين مباراة النجمة والحكمة عام 2000، وتوصية رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة منع الحضور الجماهيري في الملاعب وتنفيذ المقترح بإشارةٍ من وزير الداخلية حسن السّبع، فاصلٌ زمنيٌّ يبلغ سبع سنوات. أربعة مواسم كرويّة مرّت، انحدرت فيها كرة القدم اللبنانية فنيّاً وتسويقيّاً وماديّاً وجماهيرياً، قبل أن «يُسمح» للجمهور بالعودة إلى الملاعب. فُتحت الأبواب، وبعد نحو سنة، بدا أن الجمهور عاد بزخم خلال مباريات المنتخب الوطني خلال التصفيات المونديالية المؤهّلة إلى البرازيل 2014، لكن هذا الحضور الكبير اقتصر على المباريات الدوليّة، في حين لم يكن يُسمح بالدخول إلى الملاعب إلا بأعداد قليلة، لا تتجاوز 500 مشجّع حتى، خلال مباريات الديربي بين النجمة والأنصار. بعدها بنحو سنتين، شهدت مدرجات ملعب صيدا البلدي أكبر حضورٍ لجمهور نادٍ بعد قرار منع الجمهور، في مباراتين متتاليتين، كلاهما للنجمة، في الأسبوعين الأخيرين اللذين حسم فيهما النادي لقب الدوري. الملعب عينه جمع عدداً أكبر في لقاء النجمة والعهد (2014)، ومن ثمَّ، صار الحضور الجماهيري يكبر أسبوعاً تلو الآخر، وموسماً بعد موسم، خاصةً مع ازدياد حدّة المنافسة بين ثلاثي النجمة والأنصار والعهد، ليس على أرض الملعب فحسب، بل بين المشجّعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
انعكس قرار إغلاق أبواب الملاعب أمام المشّجعين بشكل كارثي على كرة القدم اللبنانية


كان واضحاً في السنوات الأخيرة، أن جيلاً جديداً بات يتابع اللعبة، وهو أمر طبيعي، لكن اللافت كان غياب «الحرس القديم»، أولئك الذين لهم صورٌ بالأبيض والأسود، أو بألوانٍ خافتة، التُقطت خارج الملعب وداخله، على الطرقات وشرفات المنازل. الجمهور الذي أغلق شوارع بيروت من المنارة إلى عائشة بكّار، حيث منزل رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص، في تظاهرة لدعم نادي النجمة واحتجاجاً على اتحاد الكرة حينها. جمهور الراسينغ والحكمة كان يحضر بالآلاف على المدرجات، وجمهور الأنصار صوره لا تغيب أبداً عن مشاهد ملعب بيروت البلدي. هذا الجيل، غير القديم فعلياً، غاب بمعظمه. الأسباب عدّة، منها ما قسّمته الطائفية السياسيّة، ومنها المعيشيّة، وحتّى الاجتماعيّة، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفّر بث الدوريات الأوروبية بشكلٍ أكبر، وتنظيم روابط لأنديتها، لكن أحد الأسباب الرئيسية، كان قرار إغلاق أبواب الملاعب أمام المشجّعين. فترة الابتعاد عن المدرّجات، وانحدار المستوى الفنّي للبطولة بعد انسحاب عددٍ من المُعلنين وقلّة اهتمام السياسيين بالأندية ودعمها مالياً، كان لها تأثير على الجمهور الذي قرّر عدم المتابعة كما السابق، فخرج من الدائرة الكبيرة، التي كانت تضم المتابعين الأوفياء لأنديتهم، في حين اتّسعت دائرة المشّجعين غير المتابعين، أولئك الذين يُعرّفون عن أنفسهم بمشجّعي النادي الفلاني، دون حضور مبارياته، أو حتّى الاهتمام بمعرفة أخباره ونتائج مبارياته.



مصير مجهول
اليوم، تنتظر البطولة مصيراً قد يكون تكراراً لما عاشته قبل 13 سنة. منع الحضور الجماهيري، ولو لموسمٍ واحد، سيترك أثراً كبيراً على المتابعة، وسيزيد من الضائقة المالية التي تعيشها الأندية بطبيعة الحال، ولو أن مردود تذاكر المباريات ليس كبيراً بالنسبة إلى معظم الأندية التي فقدت قسماً لا بأس به من جمهورها.
في المقابل، ثمّة تخوّفٌ آخر، من تراجع الحضور حتّى في حال سُمح للجمهور بمتابعة المباريات من على المدرّجات. هذا التخوّف ليس محليّاً فحسب، بل يُحكى عنه كثيراً في أوروبا، عبر مسؤولين رياضيين وأطبّاء نفسيين. فقد أشار هؤلاء إلى خوف النّاس من العودة إلى الملاعب، حيث الازدحام، وعدم إمكانية ضبط الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا في حال وجود أعداد كبيرة من المشجّعين. بعض المواقع الرياضية أجرت استفتاءات جماهيرية لمعرفة رأي المشجّعين حول استئناف المباريات بحضورٍ جماهيري، والنتائج جاءت سلبيّة بمعظمها.
هذا من الجانب الطبّي. ولكن ثمّة سببٌ آخر يُبعد الجمهور عن الملاعب ـ غير إهمالها شبه التام بطبيعة الحال ـ ألا وهو الأندية. الأخيرة بمعظمها لم تعد تكترث بالجمهور أساساً، بل صارت تسعى إلى البقاء، لمجرّد وجود اسمها بين أندية الدرجة الأولى. تبحث عن مساعدة مالية سياسية أو حتّى اتحادية/حكوميّة. الأندية التي تخّلت عن لاعبيها خلال الأزمة الاقتصاديّة الأخيرة، خسرت احترام مشجّعيها.
اليوم تنتظر البطولة مصيراً قد يكون تكراراً لما عاشته قبل 13 سنة


ربما، لم نفتقد كرة القدم كما كنّا نتوقّع. بدأ الأمر بنشر صورٍ قديمة للقطاتٍ من المباريات، أو مقاطع فيديو، ثم رجاء باستئناف المسابقات، بعدها سؤال عمّا إذا كانت هناك أي بطولة منقولة حالياً، وحين عادت مباريات الدوري الألماني، لم يكن هناك شغفٌ بمتابعة المباريات كما كان متوقّعاً. صحيحٌ أن نسب المشاهدة كانت قياسيّة، لكن هذا في الأسبوع الأوّل، وفي بعض المباريات، في حين كان مشجّعو الكرة يسألون حتّى عن الدوري البيلاروسي. ومن المتوقّع أن تتراجع نسب المشاهدة هذا الأسبوع والذي يليه، حتّى تعود إلى طبيعتها. هذا حيث البطولات الكبيرة، فكيف عن دوري، من المتوقّع أن يُلعب دون أجانب وبانخفاض المستوى الفنّي، وقد لا تُشارك فيه جميع الأندية أيضاً، وحيث ملاعب لا تقدّم أي خدمة للجماهير، وكانت في الفترة الأخيرة خارج اهتمام الدولة، بل إن الرياضة ككل، لم تعد منذ سنوات، ضمن أولويّات أحد، حتّى اللاعبين أنفسهم.